٢٩أ- الأحداث الماضية:
في عالم الشهادة ماضي كل كوكب لا يختفي إلا بالنسبة لأهله ويبقى الفضاء الواسع يحتفظ به وينشره في آفاق الكون. كيف ذلك ؟ عندما نرفع بصرنا إلى السماء لا نرى إلا الماضي لأن ضوء النجوم يقطع ملايين السنين الضوئية ليصل إلينا. وإن كنا بعيدين عنها كفاية لرأينا بداية خلقها. وعلماء الفلك يستعينون بهذه الظاهرة لدراسة ما حدث في السماء. فكل ما هو قريب منا فهو حديث بعض الشيء وكل ما هو بعيد فهو قديم. بالتالي نرى في نفس الوقت شيئا ما من السماء البدائية وشيئا ما من السماء الحالية.
علاقة النور بماضي الأشياء:
المخلوق كيفما كان نوعه لا يرى الأشياء في حاضرها بالضبط ولكن بعد زمن قد يكون طويلا أو ضئيلا غير محسوس حسب المسافة التي تفصله عنها. ولو كانت حواسنا دقيقة جدا لرأينا النور يجري من المكان الذي انعكس فيه ليدخل إلى أعيننا ولرأينا الموجات الصوتية تدخل إلى مسامعنا. والله سبحانه هو الوحيد الذي يرى الأشياء في حاضرها تماما ولا يراها بواسطة نور مخلوق كسائر مخلوقاته بل بقدرته التي لا يعلمها إلا هو. وهو موجود ببصره وسمعه وصفاته في كل مكان. فهو أول من يرى أي شيء لأنه يراه دائما لا يغفل عنه أبدا وأول من يسمع لأن سمعه موجود في كل مكان فيسمع كلام المتكلم قبله.
وقد نعتقد أن ضوء النجم ينتشر في الفضاء في نفس اللحظة انتشارا متساويا في جميع الاتجاهات بل الحقيقة غير ذلك. رأينا في الفقرة ٢١ذ٩ أن سرعة الضوء تزداد مع توسع السماء وحجوم الأشياء وابتعادها عن المركز الذي تحت الأرض السابعة دون أن يحس بذلك أهل الأرض لأنها تدخل في طبقات من نور الكرسي أعظم من التي تركتها في الأسفل. بالتالي في ثانية واحدة ينتشر النور إلى الأعلى أي إلى جهة العرش بسرعة أكبر من انتشاره إلى الأسفل، أي في اتجاه الأرضين السفلى والمركز. وينطلق في نفس المستوى الذي فيه النجم بسرعة أصغر من التي ينتشر بها إلى الأعلى وأكبر من التي ينتشر بها إلى الأسفل. بالتالي الذين في الأعلى يرون الذين في الأسفل قبل أن يرى هؤلاء الذين في الأعلى، بل ويرون أشياء عن الأسفلين أكثر مما يراه هؤلاء عنهم ( أنظر رسوم ٤ذ ). وهذه الظاهرة العجيبة ليست مقتصرة فقط على من في السماء الدنيا بل هي في كل السماوات وحتى في جنة الخلد في نور العرش. قال الضحاك في قوله ﴿ لهم درجات عند ربهم ﴾ أهل الجنة بعضهم فوق بعض فيرى الذي هو فوق فضله على الذي هو أسفل منه ولا يرى الذي هو أسفل منه أنه فضل عليه أحد ( فقرة ٢٢أ٤ ). فالنور في أعلى الجنة أقوى من الذي في أسفلها. وقوته تنقص كلما نزلنا إلى الأسفل. ربما لذلك الأسفلون الذين لهم بنية أضعف من الأعلين لا يميزون بوضوح ما هو كائن فوقهم لعظم النور.
رأينا في الفقرة ٢١ذ١ أن الأرضين السبع ممنوعة عن بعضهن البعض. فأهل الأرض الأولى لا يرون الأرض الثانية التي تحتهم ولا السقف المرفوع الأول الذي فوقهم. وهذا يعني أن ضوء المجرات المرئي ( بالنسبة للإنس ) في الحلقة الأرضية الثانية لا يصل إلى الأرض الأولى. هذا يبين ضخامة السماء الدنيا وضخامة كل حلقة أرضية. أما الملائكة فلهم أبصار حادة ويرون أكثر وأبعد من غيرهم ( أنظر حديثا في ذلك في الفقرة ٣٤ج١٣ ).
وأذكر هنا أن أهل جنة الخلد سيمد لهم في بصرهم. فأدناهم منزلة من سينظر في ملكه مسيرة ألفي سنة ينظر إلى أقصاه كما ينظر إلى أدناه. وهذا في المستوى الأفقي الذي هو فيه.
إرسال تعليق