٤٤- الساعة (38/114)
٤٤ج٣- نشأة الخلود وتوقيت بعض الأحداث والظواهر:
إن الناس سيبعثون بلا شك على صورهم وأشكالهم وأعمارهم التي كانت لهم في الدنيا يوم موتهم. من مات كبيرا بعث كبيرا ومن مات صغيرا بعث صغيرا. فقد جاء في القرآن أن الله قادر على أن يخلق مثلهم. أي أن يبعثهم كما هم. والكفار سيعتقدون أنهم لم يلبثوا في القبور إلا يوما أو بعض يوم لأن أشكالهم وأعمارهم لم تتغير عند بعثهم. ولن تتغير حتى يحين دخولهم الجنة أو النار. سيدخل أهل الجنة الجنة على حسن يوسف وهم أبناء ثلاث وثلاثين سنة. أما أهل النار فسيدخلونها بنفس العمر لكن في أقبح صورة وجوههم مسودة كقطع من الليل مظلما. ومثال دال على أنهم سيبعثون على أشكالهم ما جاء في مناقب عبد الله بن مسعود أن النبي ﷺ قال « أتعجبون من دقة ساقيه والذي نفسي بيده لهما في الميزان أثقل من أحد ». أي سيبعث ابن مسعود بساقيه اللتين كانتا له في الدنيا وطبعا بشكله كله. والناس كلهم سيبعثون مشاة وبحواسهم يبصرون ويسمعون ويتكلمون ليروا كلهم مواطن يوم الحساب ويقرؤون صحفهم. أما ما ابتلوا به من أمراض وعياء في الدنيا فلن يبتلوا به في ذلك اليوم. بل سيبعثون بذرات الخلود منبسطة ثابتة وقوية. ومن مات ولم يتب من سوء كان يعمله بعث من قبره بطريقة خاصة به كآكل الربا مثلا، لا يقوم إلا كالذي يتخبطه الشيطان من المس. والله لم يخبرنا عن كيفية بعث كل إنسان وجرمه. أما عن طول الناس مقارنة بطول الملائكة فانظر الفقرات التالية..
أ- طول الناس يوم الفناء:
إن آدم خلق في مستوى من جنة المأوى التي عند ساق سدرة منتهى العالم الدنيوي ( أما آباء الأنواع الأخرى من الإنس فخلقوا بلا شك في كواكبهم. وطول آدم هو الذي استخدم كمعيار للحسابات التي سنبين وتهم الكل ). ولما أنزل إلى الأرض نقص طوله لأنه سيقيم في عالم أصغر ونور أضعف من الذي كان فيه. والسماوات في توسع مستمر بقوة إتيان السماء والأرض في نور الله. وحجومنا أيضا تزداد وكذا حجوم كل شيء في الدنيا. ويوم الفناء سيساوي حجم الدنيا حجم الآخرة بنفس الكيلومتر مع العلم أنهما متساويان دائما بالمدة الزمنية. وسيكون يومئذ بعد الأرض الأولى عن مركز المركز العظيم بنفس الكيلومتر تقريبا كالذي بين أدنى جنة الخلد وأدنى جهنم ( أنظر هذا البعد بالضبط في الفقرتين ٤٤ج٣ث - ٤٤ج٣ج ). ولا شك أن الناس سيبعثون بطول وسطي بين طول الذين سيكونون في أدنى الجنة وطول الذين سيكونون في الطبقة العليا من جهنم لأن مصيرهم لم يحدد بعد. ولن تمد الأجسام أكثر من ذلك ولن ينقص منها إلا بعد الحساب. ونظريا يوم الفناء يجب أن يصل طول الناس في الأرض الأولى إلى نفس الطول الذي سيكون عند أهل أدنى الجنة. فالجنة عرضها السماوات والأرض الأولى بنفس الكيلومتر يوم فنائهما لكن المؤمنين وهم أهل الأرض الأولى بأنفسهم الواعية سيكونون قد ماتوا قبل ذلك بريح طيبة كما جاء في الحديث النبوي. ولن يبقى إلا الكافرون وهم في الأرضين السفلية يومئذ بطول أصغر وعليهم تقوم الساعة. أي ستكون الأرض الأولى قبل الفناء بقليل خالية على الأقل من أنفس الإنس. لذلك لن يصل طول الأحياء من الناس يوم الفناء إلى نفس طول أهل أدنى الجنة. وبالتالي لا أحد منهم يومئذ سيتجاوز الطول الذي سيكون عند الناس يوم البعث فوق الأرض المبدلة. فلن يزداد طول المؤمنين حتى يرفعوا إلى الجنة ولا ينقص من طول الكافرين حتى يخسف بهم إلى مستويات طبقات جهنم.
إن الطول الذي سيبعث به الناس هو بلا شك كطول آدم يوم خلق في المستوى الذي كانت فيه جنة المأوى الدنيوية. فكان بعد هذا المستوى عن مركز مركز الدنيا ( أي مركز الصخرة التي في مركز الكرسي ) حينها كبعد المسافة الثابتة في الآخرة بين أدنى جنة الخلد ( أو أعلى جهنم ) وقمة الزاوية التي في أدنى الدرك الأسفل من النار. يعني أن علو الدنيا باستثناء ما علا من سدرة المنتهى عن جنة المأوى العليا كان حينها كعلو جهنم الثابت. أي كانت الدنيا صغيرة الحجم مقارنة بالآخرة رغم مرور ملايير السنين منذ خلقها. وجنة المأوى الدنيوية ترتفع بعجلة متزايدة منذ خلقت ككل السماوات والأرضين إلى أن يصل عرض الدنيا إلى عرض الآخرة. حينها تقوم الساعة. قال تعالى﴿ لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة ﴾(٤٨-١٨) أي بلا شك أيضا على طول آدم لما خلق. فالتشبيه في الآية مطلق وقد يشمل الطول والله أعلم. قال تعالى أيضا﴿ كما بدأكم تعودون ﴾(٢٩-٧). هذا يعني أن الأرض الأولى ترتفع وتتوسع ذراتها وذرات ما فيها إلى أن تصل إلى ذلك المستوى من مركز مركز الدنيا الذي تحت الأرض السابعة ( أي المستوى الذي كانت فيه جنة المأوى يوم خلق آدم ) ثم تتجاوزه قليلا كما سنرى ليحدث الفناء.
ملاحظة: بعد خلق آدم ظل مدة في الجنة وهي ترتفع فازداد طوله طبعا بعض الشيء. لكن الناس سيبعثون بالطول الذي خلق به كما يستنتج من الآية ﴿ لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة ﴾(٤٨-١٨) وليس بطوله الأخير الذي كان له مباشرة قبل نزوله إلى الأرض. فما زاد على الطول الذي خلق به اختص به لوحده ربما لكونه الأب الأول للناس أو لكونه عند الله نبيا ( أنظر فقرة نزول عيسى ) أو ربما تلك الزيادة لم تصل إلى ما سيكون عليه أهل أدنى جنة الخلد والله أعلم.
وعلو جنة المأوى فوق السماء السابعة لا يتعدى خمسمائة ككل جنات السماوات الأخرى لكي تكون متشابهة لهن. أي ليس لها نفس علو سدرة المنتهى (( فيبدو بطريقة غير مباشرة من القرآن أن هذه السدرة تهيمن بعلوها فوق السماء السابعة ( وعلوها فوق السقف السابع كما سنبين في هذا الكتاب يساوي ٤٢٥٠٠ سنة ). قال تعالى﴿ عندها جنة المأوى ﴾(١٥-٥٣) أي يتبين أن هذه الجنة أصغر منها في العلو. وكذلك قوله﴿ إذ يغشى السدرة ما يغشى ﴾(١٦-٥٣) ولم يقل " إذ يغشى الجنة ما يغشى". بالتالي تلك الجنة تحيط بلا شك فقط بأسفل جذعها كما يفهم من رواية كعب " ساقها في الجنة ". وساق الشيء أسفله. أما أعلاها ففيه أغصان خاصة بالملائكة الرسل وملائكة الملأ الأعلى كما رأينا )).
إرسال تعليق