U3F1ZWV6ZTUwNDI4NTQwODIxODEzX0ZyZWUzMTgxNDY4NDE0OTg0Nw==

قصة الوجود - إسلام كل شيء لله - إحساسات المادة -0055

   

١٧- إسلام كل شيء لله - إحساسات المادة


 

الإسلام لله وهو الخضوع الكامل لإرادته والرضا بقضائه هو المطلوب من كل الكائنات كيفما كانت درجتها في الخلق: جماد، نبات، حيوان، ملك وغير ذلك. وكلها تعلم بوجود الله وتسبح بحمده. قال تعالى﴿ وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ﴾(٤٤-١٧) توجد إذن صلة بين الله وبين كل مخلوق وإن كان ترابا.

( كتاب تصنيف وتفسير آيات وفصول القرآن العظيم - فصل الله الواحد ١(٣) ١٨- فصل الله الحميد ١(٤)).

الأمانة:

كان الله وحده في زمن لا بداية له. ثم أتى زمن خاص به كان في علمه سبحانه أن يقع فيه ما كان في مشيئته وليبرز صفاته في خلقه ويكونوا معه إلى الأبد مع العلم أنه لا يحتاج لوجودهم. فهو غني عن العالمين. ومن أعظم ما أراد هو تجلي صفة حبه. لكن الحب يحتاج إلى التبادل الحر بين المتحابين. لذلك أراد أن يمنح لخلق من مخلوقاته حرية الاختيار والتصرف لكي يعقد معه عقدة على هذا الأساس. وقبل ذلك أعطى لكل خلق حرية قبول هذه الحرية أو رفضها. أي لم يفرضها على أي مخلوق لكيلا يجبره على قبول تلك العقدة لأنها تتأسس قبل كل شيء على حرية القبول فقبلها الإنسان بطبيعته إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. فهو يحب طبعه الذي خلقه الله ولا يريد ولا يطيق أن يكون مسيرا في كل أعماله ويحب مواجهة التحديات. ولكي يطبق هذا الأمر خلق السماء الدنيا أولا وجعلها خليطا بين المضادات بين الجميل والقبيح، بين ظواهر الجنة وظواهر جهنم. واستمر ذلك بأمر الله ملايير السنين قبل أن يخلق السقوف السبعة. وأبت كل من السماوات وكل من الكواكب وكل من الجبال أن تقبل حرية التصرف في ما تقوم به في هذا الخليط بين المضادات مقابل حساب الله. وأشفقن منها لما فيها من عظم المسؤولية وخطورة العاقبة .وهذا يعني أن لهن هن أيضا إرادة في قبول حمل الأمانة أو لا، وإحساس أيضا لأنهن أشفقن من العاقبة. وفضلن أن لا يكون في طبيعتهن إلا الطاعة. ولو أمرهن الله بحملها لفعلن. وعرض الأمانة عليهن يبين أن كل خلق ممكن أن يحمل الأمانة. والذي جعل السماوات والأرض والجبال يرفضنها هو فقط الخوف من العاقبة.

ونفهم لماذا ربط الله الأمانة بالعاقبة. والعاقبة هنا هي إما حب الله أو بغضه. أما بغضه فليس بغاية. هو فقط لمن لا يحبه. وهذا الحب يجب أن يكون حقيقيا. ولا يكون حقيقيا إلا مع خلق له إرادة وحرية كاملة للاختيار بين الخير والشر. لذلك خلق الله خليطا بينهما في السماء الدنيا. ولو كانت الدنيا كجنة الخلد لما كان اختيار بين الخير والشر لأن في هذه الجنة لا يوجد إلا الخير. وبالتالي لا أمانة تحمل في الآخرة وإنما الجزاء والثواب عليها.وأراد الله أن يحب من يختار بنفسه ما اختار الله وهو الإيمان به بالغيب والخير. سواء اختار ذلك خوفا منه أو حبا له.  والإنسان قبل هذا الامتحان العظيم بالغيب. ولولا الغيب لآمن الناس كلهم ولما ظهر حب الله الحقيقي.

والأمانة هي أمانة الله. وسميت أمانة لأن على حاملها أن يرعاها حق رعايتها كما أراد الله ويرجع بها سالمة إليه يوم الحساب. أي يرجع بقلب سليم مما يبغضه الله، أي دون كفر أو شرك أو عصيان. ويتفاوت الناس في هذا المجال. فهي إذن ما أراد الله أن يودعه في خلق من خلقه إلى يوم الدين يجعله مؤتمنا على نفسه فيما يخص الإيمان بالغيب وإطاعة الله بذلك. فهي في قلب كل إنسان بها تكون له حرية الإيمان والأعمال بالغيب. وعاقبتها هي حب الله وهو درجات. أي خلاصة خلقت الدنيا لأجل الإنسان وخلق الإنسان لإظهار حب الله. ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة لكنهم في هذه الحالة سيكونون كلهم سواء ولا أحد فيهم سيستحق حب الله. وبالتالي لن يظهر حبه في الوجود. وهذا ما لا يريده الله مع أنه غني عن العالمين وعن حبهم. لكن أراد أن تتجلى كل صفاته في خلقه بما فيها حبه. ولولا ذلك لما خلق أي شيء. 

وحمل الإنسان للأمانة كما يجب هو أن يختار ما فطر الله في قلبه من الميل إلى التوحيد والإسلام إن أراد ألا يعاقب وأراد الجنة. فالإنسان قبل بطبيعته حمل الأمانة وقبل العقدة بينه وبين الله على أن يدخل النار إن لم يحملها كما يجب. وسيحاسب الله حامليها بعضهم مآله النار وبعضهم مآله الجنة.

وقبلها كل إنسان بطبيعته قبل آدم. وبنو آدم أشهدهم الله على أنفسهم أمام آبيهم « ألست بربكم » حين أخرجهم من ظهور آبائهم. ولا أحد منهم أنكر. وكان ذلك تأكيدا منهم سيظهر لهم بكل وضوح يوم القيامة لكيلا يقولوا يومها أنهم كانوا غافلين عن ذلك كما جاء في القرآن. لقد شهدنا ونحن واعون تمام الوعي. لكن الله محا ذلك من ذاكرتنا وسنتذكره يوم الحساب. أي سنعترف بأن ذلك وقع وأن طبيعتنا قبلت ذلك. فما دام الله قال ذلك فذلك وقع بالتأكيد ومحاه عنا لأجل الإيمان بالغيب.

بالتالي الإنسان يعلم أنه حر في كل ما سيحاسب عليه. أي في كل ما أمر به ونهي عنه. فالله طبعا لن يحاسب عبدا على شيء لم يكن أعطاه حرية الاختيار فيه. وهو لا يظلم أحدا ولا يظلم مثقال ذرة. وسبحانه يكتب لك وعليك أي ما يفيدك وما يسيئك كالأرزاق والآجال والمصائب التي من فعل الله أي كل ما هو خارج عن إرادتك. لكن لا يكتب لك أو عليك اختياراتك طبقا للميثاق الذي بينك وبينه. أما اختياراتك فكتبها مسبقا كما أنت ستفعلها بإرادتك وذلك فقط لعلمه بالغيب. أي لا يمكن أن تقول إن الله لا يعلم ما أسأفعل. فهذا نقص من ألوهية الإله. بل علمه وكتبه فقط.

وجعل لك حرية كاملة لكن لا تتعدى قدراتك وظروفك. لا يمكن مثلا أن تختار أن تطير بقدرات جسمك في الهواء لأن لا قدرة لك على ذلك. وخلق الله أنواعا كثيرة من الإنس نوعا بعد آخر. كل نوع حمل جزءا من الأمانة على حسب قدراته وظروفه. حمل جزءا أكبر من الذي حمله النوع الذي سبقه.  وبنو آدم حملوا الأمانة كلها. أي حملوا كل الأجزاء. كل جزء تقابله أنواع معينة من الابتلاءات التي تختبر الصبر والشكر لله وأنواع من الشرائع والتكاليف. وبخلق هذه الأنواع المختلفة من الإنس يتبين أن الأمانة لا تهم فقط الإيمان أو الكفر ولكن أيضا تحمل مختلف التكاليف والابتلاءات.

والأمانة تمنحك درجة معينة في الآخرة من حب الله أو بغضه حسب قدراتك وظروفك وحسب حملك لها. فالأنواع الأخرى من الإنس سيكون لها مقامات أدنى من مقامات بني آدم. بنو آدم خلقهم الله في الوسط والآخرون أبعد منهم عنه وهم درجات متعددة. أي أتقى مؤمن منهم سيكون أدنى من أتقى مؤمن من بني آدم. بل منهم من جبل على الإيمان وبالتالي حب الله لهم أقل من حب الذين عليهم الإيمان بالغيب. أنظر أيضا الجن وباقي أنواع الإنس تجاه الأمانة في الفقرة ٤٣أ.

وبنو آدم أيضا درجات حسب ظروفهم. فأتقى مؤمن من أهل الكتاب سيكون أدنى من أتقى مؤمن من أمة محمد . هذا يعني أن الأمانة التي تحملها أمة محمد أكبر من التي يحملها أهل الكتاب. لذلك الله يدعو مؤمني هؤلاء لاتباع النبي لكي يستفيدوا أكثر من حب الله في الآخرة. ولقد فصلت في موضع آخر أن أمة محمد ستحتل الثلثين العلويين من كل طبقة في جنة الخلد، والثلث الأسفل من كل طبقة هو للملل الأخرى.

أما عن الإيمان فهو بإذن الله. وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله. لقد خلق الله أنواعا من الإنس جبلت على الإيمان ومصيرها سيكون في أطراف جنة الخلد المخصصة للجن والإنس. أي لا إذن هناك من الله للإيمان. وبالتالي لا أجر لهم من حب الله على إيمانهم وإنما سيؤجرون فقط على أعمالهم. ولا سيئات لهم لتدخلهم النار. أما الإنس الآخرون فلا بد لهم من الإذن. ويعطى بشروط. أي هؤلاء الإنس عليهم أن يهيئوا أنفسهم ليفوزوا بالإذن. وهنا يبدأ اختيار الإنسان باتباع الفطرة أو تركها. والفطرة هي أولا اجتناب الظلم والشر والفساد والعناد تجاه الحق والتكبر وكل الأخلاق الذميمة والمعتقدات الفاسدة كالشرك الذي هو عبادة المخلوقات. فالله لا يهدي القوم الظالمين ولا من هو كاذب كفار أو مسرف كذاب ...الخ. بل يضلهم. ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء.

إن الإنسان قبل حمل الأمانة لكن الله لم يتركه وحيدا مع الاختبار الذي وضعه فيه بل يراقبه ويعينه إذا اقترب منه ويزيده إيمانا إن سعى إليه أكثر. لكن إن كفر يضله، ويعميه أكثر إن ازداد بعده عنه. وهذا كميثاق بين الله والإنسان الحامل لأمانة الله. رغم حرية الإنسان فهو لا يؤمن إلا بإذن الله تبعا لشروط ولا يزداد إيمانا إلا بإذنه وتبعا لشروط أيضا. أما الذي يكفر فلا يكفر بإذن الله بل يتركه الله يكفر ولا يأذن له بالإيمان. وفي هذه الحالة يضله الله بنفسه وكلما ازداد بعدا كلما أضله الله أكثر حتى يصل إلى النقطة التي لن يهديه الله إلى التوبة أبدا فيصبح كمن لا أمانة له. أي يخسر الآخرة بزمن قبل موته.

وفي الآخرة لا توجد أمانة. ستتبدل هيأة الإنسان الجسمية والبيولوجية والنفسية. وإذا دخل الجنة فلن يستطيع أن يفعل الشر لأن طبيعته لن يكون فيها إلا الخير وسينزع الله ما في قلبه من غل. أما إذا دخل جهنم فنفسه لن يكون فيها إلا الشر كما جاء في القرآن عن اختصامات أهل النار وطبيعتهم الشريرة. قال تعالى عنهم ﴿  وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين (٢٩-٤١)

 * وللمادة إحساسات أيضا كما قال جل وعلا﴿ فما بكت عليهم السماء والأرض ﴾ (٢٩-٤٤)﴿ وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ﴾(٤٦-١٤)﴿ يكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا (٩٠-١٩) أن دعوا للرحمن ولدا ﴾(٩١-١٩) وهذه غيرة المادة على خالقها. ولو سلطها على الكافرين لدمرتهم. في الصحيح قال رسول الله  عن جبل أحد « هذا جبل يحبنا ونحبه ». والمادة يوحى لها أيضا كما قال تعالى عن الأرض﴿ يومئذ تحدث أخبارها (٤-٩٩) بأن ربك أوحى لها ﴾(٥-٩٩). وجعل بعضها ذلولة للناس﴿ هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا ﴾(١٥-٦٧) وسخر السماوات والأرض وما فيهما لهم ( أنظر كتاب تصنيف وتفصيل آيات القرآن العظيم - فصل نعم الله على الناس ٥٢ ) كما يسخرهما عليهم إذا أراد معاقبتهم ﴿ وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية (٦-٦٩) سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما﴾(٧-٦٩). والمادة تخشى ربها﴿ لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله﴾(٢١-٥٩) وقال عن الحجارة﴿ وإن منها لما يهبط من خشية الله ﴾(٧٤-٢) وسيتيح لها الفرصة لتعذيب الكافرين في جهنم﴿ تكاد تميز من الغيظ ﴾(٨-٦٧) إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا. ﴿ وما أدراك ما سقر (٢٧-٧٤) لا تبقي ولا تذر (٢٨-٧٤) لواحة للبشر ﴾ (٢٩-٧٤)﴿ تدعو من أدبر وتولى (١٧-٧٠) وجمع فأوعى ﴾(١٨-٧٠)﴿ التي تطلع على الأفئدة ﴾(٧-١٠٤)

ومن إحساسات الحيوانات الغريبة نذكر بما قال النبي عن الأموات في قبورهم « أما الكافر فيضرب ضربة تسمعها كل دابة إلا الثقلين »( عن أبي هريرة )

   



         


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة