٧٣- الله يخاطب المؤمنين
(17/17)
٣٦- الذين يرتدون عن دينهم
٣٦أ- الذين يعودون إلى آثامهم: فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٠٩-٢) فإن زللتم: أي إن تنحيتم وملتم عن الصراط المستقيم أو لم تثبتوا عليه وانزلقتم إلى أهوائكم ولم تدخلوا في السلم أي في دين الإسلام والسلام. عزيز حكيم: العزيز هو الغالب الذي لا يعجزه شيء ولا الانتقام من العصاة. الحكيم في كل ما يفعل ولا يعاقب أو يمهل إلا لحكمة.
الشيطان سول لهم: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (٢٥-٤٧) سول لهم: أي زين لهم وسهل. وأملى لهم: أي أفتى عليهم بذلك.
٣٦ب- ليس من الرشد أن يضيع المرء إيمانه: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمُ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٠١-٣) قيل نزلت في يهودي أراد أن يجدد الفتنة بين الأوس والخزرج ليردهم بعد إيمانهم كافرين. يعتصم بالله: أي يستمسك بدينه.
٣٦ت- المرتدون لا يهديهم الله: فصل الهداية ٤٨-٣٤ج
ولا تقبل توبتهم إذا ازدادوا كفرا: فصل التوبة ٧٥-٦
٣٦ث- والجحيم مصيرهم: فصل جهنم ١١٥ ت٤(٣)
وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢١٧-٢) وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٥-٥) أعمالهم: أي أعمالهم قبل وبعد ارتدادهم إن لم يتوبوا. في الدنيا والآخرة: أي من يرتدد عن دينه تحبط أعماله في الدنيا فلا تقبل عند الله حتى يتوب. وإن مات على كفره حبطت كل أعماله في الآخرة. وأولئك أصحاب النار: أي الذين يموتون على الكفر. ومن يكفر بالإيمان: أي يكفر بأن الإيمان بالله حق.
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٠٦-١٦) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (١٠٧-١٦) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (١٠٨-١٦) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (١٠٩-١٦) من كفر بالله من بعد إيمانه: أي نطق بالكفر بمعنى هنا دون إكراه كقيس بن ضبابة. إلا من أكره: أي أرغم بالتعذيب. وقلبه مطمئن بالإيمان: أي نطق بالكفر مرغما وقلبه مخالف لما نطق به وثابت على الإيمان دون أي شك كما وقع لعمار بن ياسر. وهو بخلاف: من شرح بالكفر صدرا: أي نطق بالكفر أو قلبه مطمئن به وشاك في الإيمان. استحبوا: اختاروا وفضلوا. وأن الله لا يهدي القوم الكافرين: فهم كفار بعد إيمانهم. وعليهم غضب من الله لأنه لا يهدي مثلهم إلى صراطه. طبع: ختم. بالتالي لن يرجعوا إلى الله. الغافلون: الغافلون عما يحدث وعما ينتظرهم. لا جرم: أي حقا أو لا محالة.
٣٦ج- وإن ارتد أحد فالله يأتي دائما بقوم مؤمنين يحبهم ويحبونه: فصل الجهاد ٨٥-٦
٣٦ح- توضيحات عن قتل المرتدين وعن حرية الإيمان:
∙ من الناس من يؤمن بالله ورسوله ﷺ ثم يكفر بهما. فهذا لا يجوز قتله إلا إذا حارب الإسلام أو أهله وسعى في الأرض فسادا أو عمل على نشر كفره وشركه بين الناس كما سنرى في الفقرة الموالية. فذلك من الفساد. أما دون ذلك فشأنه كشأن كل كافر على مستوى الفرد.لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ! من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر: سواء قبل أم بعد إيمانه. وإن مات على كفره فلا نصيب له في الآخرة إلا الخلود في النار لا يخرج منها كما جاء في الآية (٢١٧-٢) فقرة ٣٦ث. فالإنسان مسؤول عن اختياره الحر للإيمان أو للكفر يوم القيامة. ولا يجوز إرغام أحد على الإيمان أو البقاء عليه. وقتل كل مرتد كيفما كان لا ينتج عنه إلا زيادة عدد المنافقين. وهم أشد أعداء الإسلام. ثم إن الناس في هذه الحالة سينفرون منه وسيخافون من اعتناقه.
∙ ومن الناس من يؤمن بالله ورسوله ثم يكفر ثم يؤمن ثم يكفر ثم يزداد كفرا. فهذا أيضا لا يقتل إلا إذا حارب الإسلام أو أهله أو جهر بشركه علانية بين الناس قصد إضلالهم. ويختلف عن الأول بكونه لا تقبل توبته عند الله بمعنى لا يهديه سبحانه إلى التوبة إلا ما شاء (فصل التوبة ٧٥-٦) .
∙ ومن الناس من يشهد بوحدانية الله وبنبوة محمد ﷺ ثم يعلن تركه للفرائض الدينية كلها أو بعضها ويفارق الجماعة المسلمة وهو مصر على قول لا إله إلا الله محمد رسول الله لفتنة الناس. فهذا يجوز قتله لدرء الفتنة. ففي الصحيحين عن ابن مسعود أن رسول الله ﷺ قال « لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة » فنرى أن التارك لدينه هنا يشهد بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وليس الذي يكفر بهما. والنفس بالنفس هنا تعني القصاص طبقا لما جاء في القرآن الكريم ﴿ الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ﴾. أما الثيب الزاني فيرجم بعد جلده. ونعلم أن أبا بكر رضي الله عنه حارب المرتدين من هذا النوع: أي الذين يشهدون بوحدانية الله ورسالة رسوله ﷺ ويرفضون تطبيق الفرائض. فهم ممن يبدلون دينهم كما سنرى في الفقرة الموالية. فهم منعوا الزكاة مع قولهم لا إله إلا الله محمد رسول الله. وفي الصحيح قال عمر: يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله ﷺ « أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله » قال أبو بكر « والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله ﷺ لقاتلتهم على منعها. قال عمر: فو الله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق » فيجب على كل من يشهد بوحدانية الله أن يحترم حقوق الله.
توضيحات عن حرية الإيمان ومراحل القتال:
الإسلام تجاه القتال يمر من ثلاث مراحل رئيسية. وعلى المسلمين أن يجتهدوا ليبلغوا المرحلة الثالثة.
- اﻹسلام حين يكون المسلمون في حالة ضعف كما كانوا في مكة في أوائل الدعوة: يكتفون بالدعوة إلى الإسلام بالكلمة والموعظة الحسنة وبالصبر والصفح والإعراض حتى عمن ظلمهم في الدين نظرا لقلة عددهم وضعفهم.
- الإسلام في حالة دفاع كما أذن الله للمسلمين وهم في المدينة بأن يقاتلوا ليسترجعوا حقوقهم أو يدافعوا عن أنفسهم. يكتفي المسلمون بالدفاع عن أنفسهم بقتال من ظلمهم في الدين. هذا لما تكون قوتهم كافية لذلك إضافة إلى دعوة الناس إلى الإسلام بالكلمة والموعظة الحسنة.
- الإسلام ونشر الحق بقوة السيف أي بالحرب إن لم تنفع الدعوة بالكلمة. ونزلت آيات تحث المسلمين على ذلك ( أنظر الفقرة الموالية ). هذا عندما تتقوى شوكتهم إضافة إلى استمرار نشر تعاليم الدين بالكلمة والموعظة الحسنة.
معنى نشر الحق بالقوة:
إن الإسلام يرفض أن يجهر الناس بالشرك وبالكفر بالله ويأمر المسلمين بقتال كل من يفعل ذلك. وقد أمر الله ذا القرنين بنشر دينه وقتال كل من يعبد علانية غير الله من الأقوام التي كانت في طريقه. وسليمان أيضا كاد يقاتل أهل سبأ عبدة الشمس لولا دخولهم في الإسلام. وأمر الله المسلمين في القرآن إن تقوت شوكتهم بأن يقاتلوا الذين يلونهم من الكفار الذين يشركون علانية بعبادة الأصنام وغيرها حتى يسلموا أو يقتلوا، وأيضا الكافرين بالله وباليوم الآخر من الذين أوتوا الكتاب ( أي في حالة ما طغى الكفر والإلحاد والشرك فيهم كمثل الذين يقولون إن الله هو المسيح عيسى ابن مريم والذين يجعلونه ثالث ثلاثة والذين رسميا لا يلتزمون بفرائض شريعتهم ) الذين لا يدينون دين الحق المنزل عليهم في توراتهم وإنجيلهم حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون أو يسلموا إما بالرجوع إلى دينهم الأصلي دون شرك أو باعتناق الدين الخاتم وهو الأفضل لهم لو كانوا يعلمون. هذا بعد دعوتهم إلى كلمة سواء ألا يعبد إلا الله ولا يشرك به. هذا يعني أنهم لا يحارَبون في الدين إن كانوا موحدين ملتزمين بشريعتهم ( لا يجوز أن تقاتل بسبب الدين من يوحد الله وبشريعة من عنده ). فالشريعة الخاتمة لها دور الرقابة على كل الأديان. فأجاز الله للمسلمين أخذ الجزية من كفار أهل الكتاب ولم يجوز لهم أخذها من غيرهم لأن اليهود والنصارى لديهم كتاب من الله قد يرجعون إليه إن تابوا. هذا قد يعني أن الجزية تسقط عنهم في هذه الحالة لكن مع استمرار الرقابة عليهم. أنظر أيضا فصل الجهاد والقتال ٨٥ - ١٤د
كل هذا يدل على أن الناس في الإسلام ليسوا أحرارا جماعة في أن يعبدوا أيا كان من دون الله علانية. لا عبادة علانية إلا لله. لذلك أمر محمد ﷺ بأن يقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله. فإن غلب المسلمون كفار البلد فأسلموا أصبحوا منهم. وإن لم يسلموا قتلوا أو أعطوا الجزية إن كانوا من كفار أهل الكتاب.
أما على مستوى الفرد فلا إكراه في الدين. وعلى سبيل المثال إن استجارك مشرك عليك أن تسمعه كلام الله ثم تبلغه مأمنه آمن أم لم يؤمن ( وهذا صريح في القرآن ). فإن أراد أن يكفر أو يشرك فليفعل ذلك في نفسه دون الإعلان برموز يراها الناس. فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر شريطة أيضا ألا يحارب الإسلام وألا يبدله. بل كل من بدل دين الله سواء من أهل الكتاب ( وتبديلهم له هو بالشرك وكل افتراء على الله بالزيادة أو بالنقصان أو بالتحريف ) أم من المسلمين وجب قتله إن لم يتب أو الجزية إن كان من أهل الكتاب. والتبديل هو تغيير ما جاء في الدين وليس رفضه كليا كما قالت قريش للنبي ﷺ : " إئت بقرآن غير هذا أو بدله ". أي نقبله مع تغيير أشياء فيه طبقا لما نريد. يعني أن تعبد آلهتنا وتحترم. ومن التبديل مثلا أن تصلي وتمنع الزكاة كالذين حاربهم أبو بكر رضي الله عنه. فمن يفعل ذلك فهو كالذي يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض. وهو من الكافرين حقا. والذين قاتلهم أبو بكر لو أعلنوا كفرهم كليا لقاتلهم أيضا حتى يعودوا إلى الإسلام ( لأن المسلمين كانوا في مرحلة قوة كبيرة ). أي إما إعطاء الزكاة إن أرادوا البقاء على الإسلام لأنهم كانوا تحت إمرة خليفة رسول الله ﷺ. فهو من كان يوزعها على الفقراء. أو الموت إن كانوا مشركين وأرادوا البقاء على شركهم علانية. فالذي يعتنق الإسلام وجب عليه أن يأخذه كله أو يتركه كله مع عدم نشر الشرك بين الناس. فلا يقتل من المرتدين إذن ( بعد استتابتهم طبعا ) إلا الذين يشهدون شهادة الإسلام ويكفرون في نفس الوقت ببعض تعاليمه أو يغيرونها أو يرتدون لمحاربة الإسلام والمسلمين أو يعودون إلى الشرك علانية. فيدخل فيهم إذن المفارق للجماعة الذي يكفر بإمامه علانية دون حجة شرعية أو يحارب جماعته أو يخالفها في العبادات دون دليل لأن ذلك يؤدي إلى الفتنة والتباس الدين الصحيح على الناس.
إرسال تعليق