(2/9)
١- حمل الإنسان أمانة الله لكنه كان ظلوما جهولا
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (٧٢-٣٣)
عرضنا الأمانة ...: أي عرفنا الأمانة وعواقب حملها للسماوات والأرض والجبال. ولما حملها الإنسان كانت عواقبها تعذيب المنافق والمشرك وغفران ذنوب المؤمن كما هو مبين في الآية التالية. الأمانة: أمانة الله. وهي ما أراد أن يودعه في خلق من خلقه إلى يوم الدين يجعله مؤتمنا على نفسه فيما يخص الإيمان بالغيب وإطاعته بذلك. فهي في قلب كل إنسان بها تكون له حرية الإيمان والأعمال بالغيب. وحملها كما يجب هو أن يختار ما فطر الله في قلبه من الميل إلى التوحيد والإسلام إن أراد ألا يعاقب.
كان الله وحده في زمن لا بداية له. ثم أتى زمن خاص به كان في علمه سبحانه أن يقع فيه ما كان في مشيئته وليبرز صفاته في خلقه ويكونوا معه إلى الأبد مع العلم أنه لا يحتاج لوجودهم. فهو غني عن العالمين. ومن أعظم ما أراد هو تجلي صفة حبه. لكن الحب يحتاج إلى التبادل الحر بين المتحابين. لذلك أراد أن يمنح لخلق من مخلوقاته حرية الاختيار والتصرف لكي يعقد معه عقدة على هذا الأساس. وقبل ذلك أعطى لكل خلق حرية قبول هذه الحرية أو رفضها. أي لم يفرضها على أي مخلوق لكيلا يجبره على قبول تلك العقدة. فقبلها الإنسان بطبيعته إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. فهو يحب طبعه الذي خلقه الله ولا يريد ولا يطيق أن يكون مسيرا في كل أعماله ويحب مواجهة التحديات.
ولكي يطبق هذا الأمر خلق الله السماء الدنيا أولا وجعلها خليطا بين المضادات بين الجميل والقبيح، بين ظواهر الجنة وظواهر جهنم. واستمر ذلك بأمر الله ملايير السنين قبل أن يخلق السقوف السبعة. وأبت كل من السماوات وكل من الكواكب وكل من الجبال أن تقبل حرية التصرف في ما تقوم به في هذا الخليط بين المضادات مقابل حساب الله. وأشفقن منها لما فيها من عظم المسؤولية وخطورة العاقبة .وهذا يعني أن لهن هن أيضا إرادة في قبول حمل الأمانة أو لا، وإحساس أيضا لأنهن أشفقن من العاقبة. وفضلن أن لا يكون في طبيعتهن إلا الطاعة. ولو أمرهن الله بحملها لفعلن. وعرض الأمانة عليهن يبين أن كل خلق ممكن أن يحمل الأمانة. والذي جعل السماوات والأرض والجبال يرفضنها هو فقط الخوف من العاقبة.
السماوات والأرض والجبال: يتبين هنا أن كل خلق كيفما كانت درجته له صلة معينة بالله حتى وإن كان ترابا. أما عرض الأمانة عليهن فربما كان مباشرة عند اكتمال الخلق. فأبين أن يحملنها: أبين لأنها تتأسس على حرية القبول. وسبحانه كان عليما برفضهن لها منذ الأزل وإنما عرضها عليهن لبيان علمه في الواقع ثم ليتبين للإنسان مدى خطورتها. فلو حملتها الأرض مثلا لأصبح واجبا عليها إطاعة الله بالغيب في كل ما تفعله الآن دون اختيار. وأشفقن منها: وهذا يدل على أن لها إحساس. أنظر كتاب قصة الوجود. ويعلم الله كيف كان سيعاقب الجمادات لو حملت الأمانة. إنه على كل شيء قدير. وحملها الإنسان: أي بعد أن عرضت عليه. فحملها باختياره. ويعلم الله كيف تم ذلك العرض. فنحن لا ندرك مثل هذه الأمور التي هي من علوم الله في عالم الأرواح. ظلوما جهولا: أي بالشرك والكفر والنفاق والعصيان.
أما الملائكة فهم من جند الله بل خلق بعضهم لينفذوا أمره في كل الذين يحملون الأمانة. أما الجن فخلقوا في عالم قريب من عالم الملائكة وبالتالي يرونهم ويسمعونهم. ذلك جعلهم يعلمون بوجود الله دون غيب. وبالتالي لم تعرض عليهم الأمانة على الأقل كما عرضت على الإنسان لكنهم أمروا بالإيمان بيوم البعث وبأن يعملوا لأجله ليأخذوا نصيبهم في الآخرة. فخاطبهم الله من خلال كتبه التي تنزل على الناس الذين يواجهون الغيب كله.
والجزاء على ذلك هو إما الجنة أو النار: لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (٧٣-٣٣) ليعذب: أي بالنار في جهنم. المنافقين ...: سيعذبهم لأنهم لم يلتزموا بحمل الأمانة كما يجب. ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات: أي الذين ألزموا أنفسهم بحفظ الأمانة فآمنوا بربهم وأطاعوا أمره. ويتوب الله على المؤمنين ...: أي يغفر لهم. غفورا رحيما: أي بمن آمن به وتاب فيتجاوز عن سيئاتهم السابقة ويبدلها حسنات.
٢- اسم الله مكتوب في قلوب كل الناس
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمُ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (١٧٢-٧) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمُ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (١٧٣-٧) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٧٤-٧) وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم: أخرج الله كل ذرية من صلب التي سبقتها والكل من صلب آدم. كل ذرية شهدت بوحدانية الله. لقد شهد بنو آدم على ذلك وهم في وعي تام ثم محا الله ذلك من ذاكرتهم لأجل الإيمان بالغيب، وأبقاه في قلوبهم. ويوم القيامة سيجعلهم يتذكرون هذه الحقيقة. عن هذا غافلين: أي عن معرفة ربنا. أفتهلكنا: أي أفتعذبنا. واستعير الإهلاك هنا للعذاب الأبدي الذي لا يموت فيه الإنسان ولا يحيى. المبطلون: الذين أبطلوا الحق فأشركوا بالله. نفصل: أي نبين بالتفصيل. يرجعون: أي يرجعون عن شركهم وكفرهم إلى ما شهدوا على أنفسهم أي إلى الإيمان بالله وحده. أنظر تفاصيل أخرى في كتاب قصة الوجود ١۸
وأخذ عنهم الميثاق: فصل محمد ﷺ ٣٩-٣٥أت (٨-٥٧)
٣- ولم يخلقهم سبحانه إلا ليعبدوه ← فصل الله الخالق ١(١٩) ١٤
٤- في المصائب الكبيرة يدع أي إنسان الله مباشرة فيرجع إلى فطرته
← فصل أدعية المؤمنين ٦٩-٣ج
← فصل الإنسان ٥١-٢١ت
إرسال تعليق