U3F1ZWV6ZTUwNDI4NTQwODIxODEzX0ZyZWUzMTgxNDY4NDE0OTg0Nw==

مفهوم الناسخ والمنسوخ وقواعد النسخ-04

   

مفهوم الناسخ والمنسوخ

(4/5)

٥ت ب- قواعد النسخ ( نسخ الحكم دون التلاوة ):

١- القاعدة الأولى: هي المعرفة الجيدة لمفهوم المنسوخ: فهو ما نسخ حكمه بصفة نهائية بآية ناسخة ( ولا منسوخ بدون ناسخ كما جاء في الآية: "ما ننسخ من آية ..."). ولا يعمل به مهما كانت الظروف لأن الله قضى فيه.ولا يدخل فيه الآيات المرحلية. أنظر الفقرة السابقة.

٢- القاعدة الثانية: وجود المنسوخ في القرآن ليس ناتجا عن اختلاف بين الآيات بحيث لا يمكن الجمع بينها. قال تعالى﴿ ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ﴾(٨٢-٤) فليس فيه أي تعارض بين آياته. أما "الاختلاف" في الحكم الذي بين آية الإمساك في البيوت وآية الجلد في مسألة الزنا فالله رفعه بآية تمهيدية﴿ أو يجعل الله لهن سبيلا ﴾. وفي الحديث قال لما بين الحد « خذوا عني ، خذوا عني ، قد جعل الله لهنّ سبيلاً » رواه مسلم. وبالتالي لا توجد أية حيرة في موضوع الزنا.

٣- القاعدة الثالثة: معرفتنا لوجود منسوخ الحكم في القرآن الذي بين أيدينا ناتجة فقط عن خبر ما وقع في الوحي في عهد الرسول ووصلنا عن طريق علماء السلف وباتفاق الأمة الإسلامية كموضوع الصيام مثلا.

٤- القاعدة الرابعة: لكي نقبل أن آية قد نسخ حكمها مع بقاء تلاوتها يجب:

أ- أن يكون اتفاق بالإجماع بين علماء السلف والأمة الإسلامية على أن حكمها قد نسخ فعلا.

ب- أن لا يصطدم هذا الاتفاق بأية قاعدة من القواعد الأساسية للنسخ. فإن لم يكن أي تعارض بينهما فليس لنا أي دليل على تكذيب الخبر بالنسخ.

٥- القاعدة الخامسة: أما عما اختلف فيه العلماء فالميل إلى عدم التصديق بالنسخ أفضل وأزكى للعقل والأقرب منطقيا إلى الصواب لأن علم الناسخ والمنسوخ من أخطر علوم القرآن. وقد يؤدي الإسراف فيه إلى إبطال أحكام الله. ولا يجوز الخوض فيه إلا بحذر شديد مع احترام قواعد ثابتة تحترم المعطيات العقلية والدينية.

أما عما اتفق عليه علماء السلف ( وليس العلماء العصريون لأن هؤلاء ليس لديهم إلا أخبارا عن ماض بعيد ) فنسبة احتمال وقوع النسخ فيه كبيرة. ونرى أن بعض الأحاديث تؤكده كما سنبين في تفسير الآيات. ولا يدخل في العلماء هنا الرافضون كليا للنسخ لأنهم يجهلون أو يتجاهلون أن نسخ الأحكام من سنن الله في وحيه. ونسخ استقبال بيت المقدس والإمساك في البيوت دليلان قاطعان على أن الله ينسخ أوامره.

٦- القاعدة السادسة: دراسة العلاقة بين الآية الناسخة والآية المنسوخة:

٦أ- وجود إشارة نسخ بين الآية الناسخة والآية المنسوخة:

والمثال في آية الإمساك في البيوت وآية الجلد. فالإشارة إلى النسخ هي الآية التمهيدية له " حتى" " أو يجعل الله لهن سبيلا"٠ وهذا لا يقبل أي جدال. وإشارة الله بكلام قرآني إلى أن الحكم بالحبس في البيوت سيتغير رفعت الاختلاف بين الحكمين. ولما نقرأ  "فأمسكوهن في البيوت " لا نعمل بهذا الحكم ولا نعطي لهذه الآية أي معنى آخر. فلقد نسخ حكمها.

٦ب-لا توجد إشارة نسخ بين الآية الناسخة والآية المنسوخة:

ففي هذه الحالة جاءنا الخبر بالنسخ عن طريق آخر: طريق علماء السلف. فهم الذين أخبرونا به. والمثال على ذلك موضوع الصيام: فالقرآن يأمرنا بالصيام كالذين من قبلنا وصيام شهر رمضان. وعلماء السلف أخبرونا بأن صيام رمضان نسخ كل صيام. فلولا هذا الخبر لربما كنا سنصوم ثلاثة أيام من كل شهر أو نفدي بإطعام المساكين ونصوم أيضا شهر رمضان. وسنرى في تفسير الآيات أن الأحاديث النبوية تؤكد بطريقة غير مباشرة أن صوم رمضان نسخ فعلا الصيام الأول.

لكن هل نستوعب أن ينزل الله آيتين في موضوع الصيام ثم نعمل بإحداهما ونترك الأخرى بدون إشارة قرآنية إلى ذلك ؟ لماذا لم يمح الله الآية المنسوخة الحكم من القرآن ويضع مكانها الآية الناسخة كما فعل بآيات أخرى لقوله ﴿وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل ﴾(١٠١-١٦) ؟ والجواب على ذلك هو أن الآية التي تذكر الصيام الأول﴿ كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ﴾(١٨٣-٢) قد نسخ فقط معناها الأول وحكمها المرتبط به وأخذت كلماتها معنى الحكم الجديد وهو صيام رمضان.أي إن الآية تبدل حكمها بنفس الكلمات وصار تابعا للحكم الجديد الذي في آية أخرى﴿ شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ... ﴾(١٨٥-٢). وليس كآية الإمساك في البيوت التي لم ينسخ معناها ولكن نسخ حكمها بآية أخرى. ذلك لأن كلماتها لا يمكن أن تأخذ معنى الحكم الجديد الذي هو الجلد.

وهذا يعني أن كل آية نُسخ حكمها بآية أخرى مستقلة عنها وظلت في القرآن ( وبدون إشارة قرآنية إلى النسخ ) فكلماتها تأخذ معنى الحكم الجديد الذي أتت به الآية الناسخة لأن الله نفى الاختلاف بين آياته. وقد نسمي هذا النوع من النسخ نسخ المعنى. فهو نسخ الحكم بآخر باستعمال نفس الآية مع وجود الحكم الجديد المؤكد للنسخ في آية ناسخة مستقلة. ومثال آخر جاء في حديث الإسراء والمعراج: أمر الله بخمسين صلاة في اليوم ثم نسخه بخمس صلوات. وبما أن الحسنة بعشر أمثالها فقوله تعالى لم يبدل.

وآية أخرى تبدل معناها وهي كلمة " بالمعروف " التي جاءت في آية الوصية للوالدين والأقربين. فاستبدل معنى "بالمعروف " الذي كان في أول الأمر يعني " بالعدل " بما جاء في آية المواريث وهو عدل أيضا لكن من الله. أما كتابة الوصية في حد ذاتها للوالدين والأقربين فلم تنسخ خلافا لما يعتقد. فالوالدان والأقربون هم الورثة الشرعيون. لكن ما يكتب في هذه الوصية يجب أن يكون مطابقا تماما لما جاء في آيات المواريث دون زيادة أو نقصان. وهي طبعا غير الوصية التي تحرم على الوارثين من الوالدين والأقربين أن يأخذوا بها فوق ما أخذوا بآيات المواريث ( أنظر تفسير ذلك في فصل تطبيق قواعد النسخ ٨أ )

٦ت- إن كانت كلمات الآية " المنسوخة " لا تأخذ معنى الحكم الجديد الذي في الآية الناسخة فهناك حالتان:

الحالة الأولى: إذا كان مجال حكم الآية نُسخ بيقين ففي هذه الحالة لا يمكن العمل بها. والمثال على ذلك الآية﴿ وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين ﴾(١٨٤-٢). فالفدية كانت جائزة في الصيام الأول. ونحن نعلم أن صيام رمضان نسخه وأن الله أوجبه على الجميع. أما المريض والمسافر فعليهما القضاء في أيام أخر. وكلمات الآية ﴿وعلى الذين يطيقونه ﴾ لا يمكن أن تأخذ معنى آخر. فنقول أن هذه الآية قد نُسخ حكمها بنسخ مجالها. فنتركها عن يقين ولا نعمل بها. ومعظم المفسرين أولوا هذه الآية في غير مجالها وجعلوها للذين لا يطيقون الصيام. وذلك خطأ وتغيير لكلام الله خصوصا وهو يؤكد للذين يطيقونه أن يصوموا بدل الفدية لقوله﴿ وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون (١٨٤-٢). ولو كانوا لا يطيقون الصيام لما قال لهم ذلك. لكن في المقابل لا بأس من أن نستنبط حكم الفدية لتطبيقه على هؤلاء لأنهم لا يقدرون على قضاء الصوم.

الحالة الثانية: كلمات الآية التي قيل أنها منسوخة لا تأخذ معنى آخر ومجالها لم يُنسخ. ففي هذه الحالة نقول بيقين أن هذه الآية ليست منسوخة ولو كان اتفاق العلماء على نسخها. وذلك لتجنب ضرب كلام الله بعضه بعضا. ولحسن الحظ لا يوجد اتفاق العلماء والأمة الإسلامية على نسخ هذا النوع من الآيات. لكن هذا النوع للأسف هو الكثير الذي قيل فيه النسخ. واختلف العلماء فيه كثيرا.

٦ث- إن تفاصيل هذه القاعدة السادسة تأخذ بعين الاعتبار أن الله لم يجعل في القرآن تناقضا أو اختلافا بين آياته لكيلا يضطرب أمر عباده.

٧- القاعدة السابعة: لا ينسخ من كلام الله إلا الأحكام ( الأوامر والنواهي). أما الأخبار فلا تنسخ. قد يغير الله أمره حسب الظروف لكن لا يغير الأخبار والأنباء وكل ما يتعلق بذاته وآياته. وتغيير الخبر يعد تناقضا وكذبا. سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا. لا يبدل القول لديه.

٨- القاعدة الثامنة: لا منسوخ بدون ناسخ لقوله تعالى﴿ ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير ﴾(١٠٦-٢). والناسخ ينزل دائما بعد المنسوخ وليس قبله أو مقرونا به. وهذا التزامن واضح في القرآن بالنسبة للآيات المعنية بالنسخ. وهي قليلة جدا ( أنظر الفقرة ٦ث ). ولا ناسخ أيضا بدون منسوخ لكن المنسوخ قد يكون محذوفا تماما من القرآن لأنه تم استبداله أو نزل بحديث فنسخ. أما كل آية نزلت لتصحح أو لتغير ما كان عليه الناس في موضوع ما دون قرآن أو حديث سابق لها في النزول فلا تعد آية ناسخة. وفي هذا الباب أيضا توجد آيات كثيرة تفصيلية لغيرها ليست ناسخة ولا منسوخة.

٩- القاعدة التاسعة: التثبيت ينفي النسخ. أي لا يمكن أن تنسخ آية ثبتها الله بآية أخرى سواء مماثلة أم تفصيلية أم تصريفية. وللأسف معظم المفسرين لم يراعوا هذه القاعدة البديهية الأساسية. فنسخوا بأنفسهم عن سوء فهم أو تابعين لغيرهم آيات كثيرة ثبتها الله في القرآن لقوله﴿ يمحو الله ما يشاء ويثبت ﴾( أنظر الفقرة ٥ب١).إن نسخ آية ثبتها الله في القرآن يعد تناقضا.

١٠- القاعدة العاشرة: تجنب الأخطاء التالية التي أدت بعض علماء السلف إلى نسخ كثير من الآيات.

أ- المعرفة الصحيحة للمصطلحات العربية القرآنية. فكم من آية قيل أنها منسوخة لسوء هذه المعرفة ( أنظر المثال على ذلك: مصطلح " الإسلام ": فصل تطبيق قواعد النسخ ١٨ )

ب- لا ينسخ حكم عام بحكم خاص. وقد وقع المفسرون في هذا الخطأ كثيرا (أنظر المثال على ذلك في موضوع الصيام: فصل تطبيق قواعد النسخ ٢( الملاحظة) )

ت- على المفسر أن يعلم أن إذا نُسخت آية ما فهذا يعني أنه لا يجب العمل بها. فعليه أن يتأمل فيها. هل مضمونها قابل للنسخ ؟ هل هذا النسخ يؤدي إلى تناقض أو إبطال حق ؟ وكثيرا أيضا ما يقع المفسرون في هذا الخطأ: أنظر المثال على ذلك في موضوع الأطعمة: فصل تطبيق قواعد النسخ ١٠ب.

ث- لا يجوز أن نعتبر الحكم بالأساليب اللغوية نسخا كالاستثناء مثلا لأن إذا نسخ الاستثناء الحكم العام فلا معنى لوجود الاستثناء. فالحكم العام له مجاله والاستثناء أيضا.

ج- قلة التفكر في الآيات قد يؤدي إلى نسخ حكم دون علم ومن تم إبطال حكم من أحكام الله.

١١- القاعدة الحادية عشر:هل يُنسخ القرآن بالحديث ؟

المثال المشهور على ذلك هو نسخ الإمساك في البيوت في مسألة الزنا بالحديث الذي رواه عبادة بن الصامت والذي نجد فيه الرجم أيضا للمحصنين الزناة. لكن الله أنزل بعد ذلك آية الحد في الزنا في سورة النور ليكون القرآن النهائي متكاملا بين آياته وليكون الحديث فقط مبينا له. (أنظر تطبيق قواعد النسخ ١٢ ).


     



  

  

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة