مفهوم الناسخ والمنسوخ
(5/5)
٦- مسألة منسوخ التلاوة دون الحكم
اختلف العلماء في وجود هذا النوع من المنسوخ وفي تصديق الروايات التي جاءت بذكره. فعلينا عدم قبوله احتراما للقاعدة الخامسة. ومنطقيا إذا نسخت التلاوة فلا معنى لبقاء الحكم خصوصا والقرآن يصرح أن كل آية نسخت منه أو أمر بنسيانها إلا واستبدلت بخير منها أو مثلها.
٧- تفسير بقاء التلاوة مع نسخ الحكم
إن الله لم يبق في القرآن آيات تخلق الحيرة لدى المسلمين. ولم يذكر في كتابه إلا ما سيكون واضحا لهم. فمثلا لم يذكر فيه أمرا باستقبال بيت المقدس في أوائل الإسلام لكيلا يختلط الأمر عليهم بعد النبي ﷺ ويخلق اختلافات خطيرة وفتنة كبيرة. فاكتفى فقط بإخبارهم عن ذلك﴿ وما جعلنا القبلة التي كنت عليها ﴾(١٤٣-٢) إضافة إلى أنها ليست قبلة إبراهيم عليه السلام والله يأمر نبيه ﷺ باتباعه ﴿ ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ﴾(١٢٣-١٦)
أما إبقاء بعض الآيات مع نسخ حكمها فلأن المسلمين في عهد النبوة لهم قسط من القرآن يختصون به. وسيحاسبون عليه ويؤجرون. وقد تكون في ذلك أيضا فائدة إعلامية للناس كما أخبروا عن قصص بعض الأنبياء وما نسخ من الأحكام بالنسبة لأقوامهم.
٨- تفسير معنى لا اختلاف في القرآن
قال تعالى﴿ أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا﴾(٨٢-٤) أي لا تعارض ولا تناقض بين آيات القرآن الكريم.
والتعارض في الكلام نوعان:
أ- كلام يعارض معناه كلاما آخر، أي كلام يقول العكس. وهذا لا يوجد في القرآن بتاتا. أي إذا قرأت مثلا ﴿واصبر على أذاهم ﴾ فإنك لن تجد آية تقول العكس على الشكل التالي: " ولا تصبر على أذاهم " .
ب- وكلام يختلف مع كلام آخر بحيث لا يمكن الجمع بينهما. وهذا أيضا لا يوجد في القرآن. بل نجد فيه أحكاما وأوامر مختلفة لكن غير متعارضة. ويمكن الجمع بينها. ويقع ذلك في الحالات التالية:
• إذا كان اختلاف في الظروف فالأحكام ستكون مختلفة بدون تعارض. والآيات "المرحلية " كثيرة في القرآن. مثلا يحث القرآن المؤمنين على الصبر والصفح والإعراض عن المشركين المعتدين في أوائل الدعوة لكنه يحثهم على مقاتلتهم إذا تقوت شوكتهم.
•حكم خاص في آية ما يبدو مختلفا عن حكم عام في آية أخرى لكن لا ينسخه بل يفصله.
• إن القرآن حرص على رفع أي تناقض كيفما كان نوعه. مثلا قوله تعالى للمؤمنين ﴿ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعدما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ﴾(١١٣-٩) ثم أضاف﴿ وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ﴾(١١٤-٩) ليرفع أي تناقض لما قال إبراهيم لأبيه ﴿سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا ﴾(٤٧١٩)
روى ابن جرير حديثا عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إن رسول الله ﷺ خرج على الناس وهم يتنازعون في القرآن فغضب غضبا شديدا حتى كأنما صب على وجهه الخل ثم قال » لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض فإنه ما ضل قوم قط إلا أوتوا الجدل« ثم تلا ﷺ ﴿ ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون ﴾
إرسال تعليق