٤٤- الساعة (109/114)
٥- صفوف أهل الجنة:
جاء في الحديث كالذي أخرجه الإمام أحمد: قال رسول الله ﷺ « أهل الجنة عشرون ومائة صف لكم منها ثمانون صفا ». ويتعلق الأمر هنا بصفوف بني آدم وليس بكل الخلق طبعا. فهي أيضا مائة وعشرون صفا لكل طبقة. لقد رأينا أن المؤمنين سيرفعون إلى أبواب طبقات الجنة كل أناس مع ملائكة طبقتهم. وبعد مد أجسامهم سيقسمون إلى مائة وعشرين صفا متساوية في العدد بالنسبة لكل طبقة. أما عدد الناس في كل صف فينقص كلما نزلنا إلى الطبقات السفلى. وأهل الطبقة الثامنة أكثر كثيرا من مجموع أهل كل الطبقات تحتها. وبما أن للجنة ثمانية أبواب فكل باب سيدخله خمسة عشر صفا ( أي مائة وعشرون على ثمانية ) كل صف وراء آخر. ونفس الحساب في كل طبقة إلا بالنسبة للطبقة الأولى أي السفلى فلن يكون أمام أبوابها صفوف لأن أهلها وأولهم أصحاب الأعراف لن يرفعوا إليها حتى يدخل الكل الجنة ويمضي وقت طويل بعد ذلك إلى أن يأذن الله لهم بدخولها. ثم يدخلها بعدهم الموحدون العاصون الذين سيخرجون من النار. وبما أن لأمة محمد ﷺ ثمانون صفا وأنهم أول من يدخلها من الأمم كما جاء في الصحيحين: " نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، نحن أول الناس دخولا الجنة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم " وعند الدارقطني عن عمر بن الخطاب عن الرسول ﷺ قال: " إن الجنة حرمت على الأنبياء كلهم حتى أدخلها وحرمت على الأمم حتى تدخلها أمتي " فالصفوف العشرة الأولى التي أمام كل باب هي لهم. والخمسة الباقية لليهود والنصارى وباقي الأمم القديمة. وهذا يعني أيضا أن ثلثي مقاعد كل طبقة اللذين في أعلاها أي ثلثي روضاتها هما لأمة محمد ﷺ والثلث الباقي الذي في أسفلها للملل الأخرى ( فمن تبع الرسول ﷺ يؤتى كما جاء في القرآن كفلين من رحمة الله يجعلانه يأخذ ضعف الأجر الذي يأخذه من تبع غيره ). ذلك لأن كل من دخل الجنة سيكون تحت الذي سبقه. بل حتى ثلثا أصحاب الأعراف سيكونون بلا شك من أمة محمد ﷺ والثلث الباقي للملل الأخرى. وسيدخل المسلمون منهم إلى ثلثي المقاعد اللذين في أعلى الطبقة الثانوية العليا من الطبقة الأولى ثم بعدهم الثلث الباقي إلى "ثلثها الأسفل ". والموحدون من أهل النار أيضا بعد خروجهم منها: ثلثاهم وهم من أمة محمد ﷺ سيكونون في ثلثي المقاعد اللذين في أعلى الطبقة الثانوية السفلى من الطبقة الأولى. وهذا يعني أنهم الأوائل خروجا من النار. ثم بعدهم الثلث الباقي إلى ثلثها الأسفل. وهذا التقسيم للذين يخرجون من النار ويدخلون الجنة يستنتج أيضا من نفس الحديث الذي فيه أن أهل الجنة مائة وعشرون صفا ثمانون منها لأمة محمد ﷺ ( أي إن جمعنا أصحاب الأعراف وكل من سيخرج من النار لشكلوا هم أيضا ثمانين صفا للطبقة الأولى من جنة الخلد ). ونستنتج أنك لن تجد مسلما له نفس المقدار من النور كالنصراني أو كاليهودي لأنهم لن يكونوا أبدا في نفس الدرجة. قد تجد نصرانيا أعظم نورا من مسلمين لكن ستجد دائما مسلمين آخرين أعظم نورا منه. أما المقارنة بين اليهودي والنصراني في ما يخص مكانتهم في الجنة فقد نستند والله أعلم إلى حديث رواه عبد الرزاق قال النبي ﷺ« نحن الآخرون الأولون يوم القيامة نحن أول الناس دخولا الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع فغدا لليهود وبعد غد للنصارى ». أي ربما سيكون اليهود المؤمنون في كل طبقة أعلى من النصارى المؤمنين. ولا نعلم النسبة بينهم. وكلاهم مع الأمم الأخرى في ثلث المقاعد الأدنى فيها وفوقهم المسلمون.
ويتبين هنا أن أعلى مقامات أهل الكتاب هو الاقتصاد كما جاء في القرآن:) منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون ((٦٦-٥ ). فأعلاهم درجة سيكون في أعلى الثلث الأسفل من الطبقة الثامنة. أما كل الأنبياء فهم في أعلى الفردوس الأعلى. أما أهل الجنة المسلمون ففيهم المقربون والمقتصدون لقوله تعالى ) فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير ( (٣٢-٣٥ ). ويتبين هنا أيضا أن كل طبقة لها ثمانية أبواب. ولو كانت فقط في أدنى الجنة لدخل المسلمون كلهم واحتلوا الثلثين العلويين من كل الجنة ( يعني ثلثي مقاعدها كلها أي كل التي في اﻷعلى ) وليس فقط من كل طبقة ولبقي الثلث الأسفل فقط لليهود والنصارى وغيرهم أي الطبقات السفلى من الجنة. وهذا لا يجوز لأن من أهل الكتاب من هو أفضل كثيرا من المسلم الضعيف بأعماله وإيمانه ولا يليق أن يكون تحته. لذا خصص الله الثلث الأسفل من كل طبقة لهم ( أي ثلث المقاعد الذي في أسفل كل طبقة ). وبالتالي لكل طبقة ثمانية أبواب.
أما تصفيف الصفوف لدخول الجنة فسيكون بعد رفع الناس بأرضهم التي هم عليها يومئذ إلى مستوى أبواب الجنة أي بعد أن يحشروا إلى الرحمان وفدا. ثم بعد مد أجسامهم سيدعى كل واحد إلى باب معين. والمعنى هنا أنه سيدعى إلى صف معين. أما الأبواب فلا تزال بعيدة عنهم. وهذا الاستدعاء مذكور في الحديث كحديث أبي هريرة عن الرسول ﷺ: " من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ". فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ! ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها ؟ قال: نعم. وأرجو أن تكون منهم " أخرجه البخاري واللفظ له ولمسلم. وبعد تكملة الصفوف المائة والعشرين لكل طبقة ستتقدم إلى أبواب الجنة في ثمانية طرق. كل طريق ستبعد عن التي تليها بمسافة هائلة. فالمسافات بين الأبواب قد تقدر بملايين السنين الضوئية عندنا لأنها متفرقة على عرض المنطقة من الجنة الخاصة ببني آدم. وسيساق المؤمنون إليها إذن زمرا وهم الصفوف هنا. سيكونون منفصلين، كل مجموعة من الصفوف ستتجه إلى الباب المخصص له. والصف الذي سيدخل الباب الأيمن سيتكون من أوائل الصفوف الأولى الثمانية ثم ينعطف وحده إلى جهة يمين الجنة ثم يرفع فوق الذين سيدخلون الطبقة الثامنة من أبوابها الأمامية بعلو مقداره خمسمائة سنة كما سترفع ملائكة السماء السابعة إلى نفس المستوى ( أو قد يرفعون إلى أعلى الجنة من خارجها والله أعلم ). وأصحاب هذا الصف هم الأوائل دخولا إلى الجنة. أما عرض كل صف فكعرض مدخل بابه وطوله كبير جدا. وعرض كل باب ينقص كلما نزلنا إلى الطبقات السفلى. وربما لن يرى الناس الذين في صف ما الصفوف التي ستدخل من اﻷبواب اﻷخرى اللهم إن مد لهم كثيرا في أبصارهم. ولا يدخل صف الجنة حتى يدخل الذي أمامه في نفس الطريق وينتظر دوره حتى يؤذن له. أي بلا شك حتى يرتفع أصحاب الصف السابق إلى درجاتهم لأنهم أفضل من الذين يلونهم ثم تخلو الطريق الرئيسية داخل الجنة. فهؤلاء سيرتفعون إلى روضات أدنى من روضات الأولين في نفس الخطوط العمودية. لذلك سيقسم الله الناس صفوفا ليدخلوا الجنة وأوجب على كل صف أن ينتظر دوره. والأوائل دخولا وجوههم كالقمر ليلة البدر إضاءة. فالصفوف الأولى أقوى نورا من الصفوف التي تليها. وآخرها أقوى نورا من الصفوف التي ستدخل الطبقات السفلى. بل حتى الأوائل في نفس الصف قد يكونون أقوى نورا شيئا ما من الذين في آخره. فأنوار الصفوف تنقص تدريجيا من أولها إلى آخرها. وهي الصفوف الخمسة عشر التي ستقصد بابا من أبواب الجنة الثمانية في كل طبقة ليدخلوا إلى قطاع من قطاعاتها الثمانية المخصصة لبني آدم.
وكل صف دخل سيجد طريقا أعرض طبعا من الباب الذي دخل منه. ثم يتجه إلى وسط الجنة بين الأمام والخلف ثم يتفرق أفراده على الأماكن الأمامية والأماكن الخلفية حسب تفاضلهم. ومن هذه الأماكن سيرتقون إلى روضاتهم. وفي كل مستوى أفضل الروضات طبعا هي الوسطى بين الأمام والخلف واليمين والشمال. تليها الروضات الأقرب منها. وفي نفس البعد عن الروضة الوسطى تماما الروضات الأمامية والخلفية أفضل من التي عن يمين الرسم الأوسط أو عن شماله لأن كلما ابتعدنا إلى اليمين أو إلى الشمال كلما اقتربنا من الأنواع الأخرى من الإنس والجن. وبنو آدم أفضل من هؤلاء. ونذكر أن عدد روضات كل نوع من الأمام إلى الخلف أكبر من عددها من اليمين إلى الشمال ( أنظر الفقرة ٤٤ص٤ ). وفي نفس البعد أيضا عن روضة الوسط تماما روضات الأمام أفضل من التي في الخلف لكونها موجودة من جهة الأبواب التي سيدخل منها الخلق ولكون فحص العرش يوجد في الأمام وأيضا لأن الله سينزل إلى كرسيه يوم الحساب في هذه الجهة. وفي نفس البعد كذلك عن روضة الوسط تماما روضات اليمين أفضل من التي في الشمال. فجبريل أعظم ملائكة الدنيا سيكون مقعده في ثلث الجنة الذي عن اليمين.
وحسب موقع الفائزين في الصف بعضهم سيسير قليلا وبعضهم كثيرا في اتجاه الخلف ( وهم درجات في ذلك ) كل قاصد المكان الذي منه سيرتقي إلى درجته.
نضيف هنا للمقارنة أن أصحاب النار غير المنافقين هم أيضا سيساقون زمرا أي صفوفا إلى أبواب جهنم. وﻻ نعلم عدد صفوفهم. فقد يكون كعدد صفوف أهل الجنة لأن لهما نفس الشكل الهندسي التسلسلي داخل نفس الهرم إلا أن عدد الكفار أكبر من عدد المؤمنين ( قيل في رواية: من كل ألف واحد في الجنة والباقي في النار ). ستنتظر كل الصفوف دورها للدخول صفا بعد آخر. الصفوف اﻷولى في كل طبقة أشد ظلمة من التي تليها بسواد وجوه أصحابها. وآخرها أشد ظلمة من الصفوف التي ستدخل الطبقات التي فوقها. وﻻ يدخل صف حتى يصعد أصحاب الصف الذي سبقه إلى قناطر جهنم ويلقون في حفرها ويفرغون المكان. والحفر السفلية ستمتلئ قبل التي فوقها. أما عن عدد أبواب كل طبقة من جهنم فقد يكون والله أعلم كعدد أبواب كل طبقة في الجنة لأن فيها حفرا مصفوفة في قطاعات فضائية كصفوف الروضات إلا أنها أصغر. أما ما جاء في القرآن أن لجهنم سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم فيعني باﻷبواب هنا المداخل بعضها فوق بعض كما رأينا في رواية. والكفار سيوزعون على طبقاتها السبع حسب درجة كفرهم. وكفار كل طبقة سيوزعون فيها حسب نوع أعمالهم وجرائمهم.
إرسال تعليق