U3F1ZWV6ZTUwNDI4NTQwODIxODEzX0ZyZWUzMTgxNDY4NDE0OTg0Nw==
AMAZON       APPLE  
banner

قصة الوجود - الدعاء -0264

   
   

  ٤٢ - الدعاء


أمر الله عباده بأن يدعوه ليكشف عنهم ما أصابهم من سوء ويستغفروه ليغفر لهم ما اقترفوا من ذنوب﴿ وقال ربكم أدعوني أستجب لكم ﴾(٦٠-٤٠)﴿ فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا ﴾(١٠-٧١). إن دعاء الله فرض وهو مخ العبادة. والذي لا يدعوه يغضب عليه كما قيل في حديث.

أما استجابة الله لدعاء ما فمتعلقة بمشيئته ﴿ فيكشف ما تدعون إليه إن شاء ﴾ (٤١-٦). أما قوله﴿ أمن يجيب المضطر إذا دعاه ﴾(٦٢-٢٧) فلا يعني أنه يستجيب لكل مضطر كما قد يعتقد بعض الناس بل إذا استجيب لمضطر وهو كل داع يدعو الله كانت الأسباب أو لم تكن فمن الذي استجاب له ؟ إنه الله سبحانه وتعالى. وهذه الاستجابة من دلائل وجود الله ( أنظر الفقرة ١د ) وذلك كقوله﴿ أجيب دعوة الداع إذا دعان ﴾(١٨٦-٢) لكن إذا شاء طبعا كما في الآية السابقة (٤١-٦). وقد يستجيب عاجلا أو آجلا في الدنيا أو في الآخرة. ومن أدب الدعاء المستجاب هو أن تثني على الله وتمدحه بقلبك وبإخلاص بما يليق بمقام الدعاء قبله وبعده. وهذا واضح في الأدعية التي دعت بها الرسل.

والله إذا شاء يستجيب للمؤمن وللمشرك أيضا. فكم من إنسان استجاب له الله ثم أشرك به ونسيه والله كان عليما به وسيحاسبه ( أنظر الآيات في كتاب تصنيف وتفسير آيات وفصول القرآن العظيم - فصل الإنسان ٥١-٢١ ). لكن رحمة الله قريبة من المحسنين ويستجيب للمؤمنين أكثر لأنه رحيم بهم.

إن الدعاء والاستجابة من عناصر توازن الوجود للعباد في الدنيا. فالتغيرات التي تحدث مع الاستجابات الإلهية لأدعيتهم تحافظ على التوازن بين المصائب والانفراجات، بين العسر واليسر. وربما لولا دعاء الناس لهلك من في الأرض منذ زمن. فعلى المسلمين أن يدعوا الله لهم ولذويهم وللمسلمين كافة.

وإذا استجاب سبحانه فعلى العباد أن يشكروه ويسبحوا بحمده ويذكروه كثيرا ولا ينسوه ولا فضله ويصلوا لذكره كما أمر أنبياءه بذلك عند استجابته لهم.

أنظر الأدعية التي جاءت في القرآن: كتاب تصنيف وتفسير آيات وفصول القرآن العظيم - فصل أدعية المؤمنين ٦٩ 

الاستجابات الممكنة في الدنيا والاستجابات المؤجلة إلى يوم الحساب: 

سنرى في فقرة " الساعة " حديثا أخرجه الإمام أحمد أن الدواوين عند الله ثلاثة:  ومنها ديوان لا يترك الله منه شيئا: ظلم العباد بعضهم بعضا فالقصاص لا محالة. وفي حديث آخر« حتى يدين لبعضهم من بعض ». وهذا يعني أن الدعاء في الدنيا بين طرفين متخاصمين أو متنازعين لا يؤدي إلى الفصل بينهما. أي لا يستجاب له حتما بل يؤجل الله الفصل إلى يوم الحساب وكما قال أيضا عن اختلافات الناس وكثير من قضاياهم بينهم (ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون)( ۱٩-۱۰). وإن وقعت في بعض الأحيان استجابة لمظلوم أو معتدى عليه فإنها فقط صادفت ما كتب الله وقدر. والصدف في هذا الموضوع نادرة. فيترك الله قضايا الناس بينهم تتصرف ليفصل بينهم فقط بالقصاص في الديوان المخصص لذلك. لكن هذا لا يعني أن نترك الدعاء على من ظلمنا لأن دعاء الله فرض وبه يأخذ الداعي حسنات كثيرة لأنه لجأ إلى الله. 

خلاصة الله لا يتدخل بين العباد في الدنيا بالاستجابة لدعائهم على غيرهم كما لا يتدخل في الآخرة بين المختصمين إلا بتطبيق القصاص. ولا يدخل هنا أدعية بعض الرسل على أقوامهم لأن ما أصاب هذه الأقوام بعدها كان من ضمن ما أنذروا به. وقد بعثت هذه الرسل أصلا لأجل ذلك.

حتى في الحروب فالنصر من عند الله فقط. ينصر من يشاء طبقا لحكمته. وطلب النصر منه لا يؤكد وقوع الاستجابة إلا في حالة كانت طائفة مقاتلة تنصر الله فعلا كما قال (إن تنصروا الله ينصركم)(٧-٤٧). وهذه قاعدة وليست استجابة لدعاء الطائفة. لكن طلب النصر مطلوب. أما طلب ثبات الأقدام وإفراغ الصبر مستجاب كثيرا لأنه يخص العبد وشأنه. أما النصر فمن عند الله لأنه يخص طرفين. ينصر حتما الطائفة الناصرة له وإلا فينصر من يشاء طبقا لحكمته التي لا يعلمها إلا هو. 

وهذه الحقيقة لا تعني أن الله لا يعاقب الظالم أبدا في الدنيا أو لا يكفه عن ظلمه بل قد يمكر ضده (ويمكرون ويمكر الله)(۸-۸) ويدمره أحيانا لكن ليس حتما استجابة لدعاء مظلوم ولكن طبقا لما شاء وقدر. أما المظلوم فقد يستجيب الله له في الدنيا إن أحسن الدعاء لنفسه كما جاء في الآية التالية والفقرة التي تلي هذه ( الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها )(٧٥-٤). وهؤلاء في هذا الدعاء لم يدعو على الظالمين مباشرة (حتى وإن دعوا عليهم في دعاء آخر). بالتالي الاستجابة هنا ممكنة وإخراجهم ممكن انتظارا لغزوهم بأنفسهم إن أمكن أو للقصاص يوم القيامة. وكذلك الذين يقولون ( ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا )(٥-٦٠) أي لا تسلطهم علينا. وهذا قبل أن يقع الظلم. أما الظالمون فسيأتون الله حاملين ظلمهم (وقد خاب من حمل ظلما)(۱۱۱-٢٠) مما يؤكد أنهم سينالون جزاءهم يوم الحساب إلا من تاب وأصلح عمله مع خصمه قبل ذلك. 

أما القضايا الأخرى بين العبد وربه فخصص لها سبحانه ديوانا لا يعبأ به شيئا: ظلم العبد نفسه فيما بينه وبين الله من صوم يوم تركه أو صلاة فإن الله يغفر ذلك ويتجاوز إن شاء. وكذلك في الدنيا يستجيب للداعي الذي يدعوه في أموره الخاصة كشفاء من مرض أو غنى بعد فقر أو هدى بعد ضلال ... الخ. والاستجابة هنا ممكنة في الدنيا بمشيئة الله طبعا إلا فيما هو مستحيل أو غير عادي. كأن تطلب الله مثلا أن يرد إليك عينك التي فقدتها أو يشفيك من مرض ثبت علميا عدم شفائه ... الخ. لكن حتى في هذه الحالة الأخيرة دعاء الله فرض أيضا لأنه يجلب الحسنات العظام. والاستجابة هنا قد تدخل في إطار المعجزات.   

بالتالي الداعي المسلم عليه أن يعلم بهذه الأمور لكيلا يقنط من رحمة الله إن لم يستجب له. فيعلم ما هو ممكن عامة تلبيته الآن وما هو مؤجل عامة إلى يوم الحساب فيطمئن قلبه. وكل شيء بأجره وكما قيل الدعاء قد يجلب خيرا آخر غير الذي كان الداعي يطلبه.



 

   



تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة