U3F1ZWV6ZTUwNDI4NTQwODIxODEzX0ZyZWUzMTgxNDY4NDE0OTg0Nw==

قصة الوجود - الاستواء على العرش -0178

   

٣٢- العرش والكرسي والحجب ورداء الكبرياء وظهور الله (13/14)

 

 

٣٢ح- الاستواء على العرش:

قال تعالى﴿ الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ﴾(٤-٣٢) هذا الاستواء حدث بعد خلق الدنيا وبلا شك قبل خلق جنة الخلد ( فالعرش حينها كان لا يزال مباشرة على ما تبقى من الماء ملامسا له. لذلك لم تخلق الجنة حتى رفع العرش عنه. فقد خلقت تحته وعلوها خمسون ألف سنة وعلو جهنم تحتها سبعة آلاف سنة بينما لم يكن بين العرش قبل رفعه والكرسي سوى ألف سنة - خمسمائة سنة لغلظ الماء ومثلها بين الماء والكرسي ). ولم يرفع العرش حتى خلقت حملته. ولم يخلقوا حتى استوى سبحانه عليه - وطبعا كما قيل الاستواء معلوم والكيف مجهول إلا أن ذات الله هي دائما في مقامها الذي كانت فيه منذ اﻷزل لا تغادره كما سنبين. فخلق عماء حوله. وسيظل فيه إلى الأبد. أما نزوله إلى أي مكان أو أماكن متعددة في نفس الوقت فلا يعني كما رأينا سابقا مغادرة مقامه (  أنظر الفقرة ٤ ). وصفة نزوله وصفة استوائه يحدثان في أبعاد غير البعد الذي خلقنا فيه بحيث لا يحتاج سبحانه أثناءهما مغادرة مقامه الأعلى بالنسبة للعالم المادي الذي خلقه تحته ويمتد من رداء الكبرياء إلى أسفل الكرسي. فهذا العالم يوجد في أنوار مختلفة نشأت من نور ذات الله بعد مرورها من رداء الكبرياء وحواجز كالحجب والعرش والكرسي. ولا بد أن تظل الأكوان في تلك الأنوار التي تزداد قوة كل لحظة بليلها ونهارها. لذلك ذات الله لا تغادر مقامها في البعد الذي فيه الخلق. وقد تغادره في بعد لا علم بالخلق به دون أن يؤثر ذلك على الأنوار التي تنزل عليهم. ويوم خلق الدنيا استوى سبحانه أولا إلى العالم الكوكبي. وبلا شك اتخذ هيأة تناسب ذلك في البعد الذي استعمله لينزل. فذاته الكريمة أعظم من السماوات والأرض والكرسي والعرش وكل شيء. ولما فرغ من خلق الكواكب استوى إلى السماء وهي دخان مع بقاء استوائه إلى الكواكب والمجرات. أي ارتفع في بعد خاص إلى المستوى الذي كانت فيه تلك السماء ثم بعد خلق السماوات السبع استوى على عرشه. أي ارتفع فوقه في نفس البعد الخاص. أما في البعد الذي فيه الخلق فهو دائما في مقامه وسط العماء ينبثق منه النور ويجزأ ويفرق بموازين محددة على كل ما تحت رداء الكبرياء. فالدنيا مثلا خلقت تحت نور منقوص بوجود الحجب فوق جوانب العرش. وهذا يدل على أن هذا النور المنقوص كان ينزل من اﻷعلى من ذات الله أثناء خلق السماوات واﻷرض رغم استوائه سبحانه إليهما.

قد تكون إن صح التعبير في نزول الله وارتفاعه واستوائه إلى شيء أو على شيء دون مغادرة مقامه أنواع من " إسقاطات " ذاته بصفاتها في أبعاد غير البعد الذي نحن فيه. وهذه الذات بعيدة عن العرش وعن كل شيء. فما بين العرش وذاته الكريمة مسافات هائلة وفيها عدد من الستور والحجب تحت رداء الكبرياء. فالكواكب تبعد عن بعضها البعض بمسافات معينة. أما المجرات فتبعد عن بعضها البعض بمسافات أكبر. والسماء الأولى تبعد عن الحلقة الأرضية التي تحتها بمسافة مدتها خمسمائة سنة بسرعة الملك العادي دون معراج. أما بمقاييسنا نحن فتقدر بملايير السنين الضوئية. والسماء الثانية تبعد عن الأولى بنفس المدة لكن المسافة بين كل سماء وسماء بنفس الكيلومتر تكبر كلما صعدنا إلى الأعلى. والعرش يبعد عن الآخرة بمسافة أكبر ومدتها أيضا خمسمائة سنة. وكل حجاب يبعد عن الذي تحته مباشرة بمسافة أكبر وأكبر. والله يبعد عن الكل بمسافة أعظم. لذلك هو الأعلى والأكبر. ورأينا في الفقرة ١٠ت أن ذاته لها بعد تجاه المادة لا يعلم بذلك إلا هو. فهي مستوية على العرش في ذلك البعد دون لمس رغم بعدها الكبير عنه. وفي جميع اﻷحوال لا يعني ذلك أنه محمول بالعرش بل المحمول هو العرش والكل محمول بقدرته سبحانه﴿ الذين يحملون العرش ومن حوله ﴾(٧-٤٠).

ونزول الله دون مغادرة مقامه سيبدو أيضا كذلك يوم نزوله إلى كرسيه يوم الحساب. فبينما يحكم بين خلقه يوم القيامة وهو في ظلل من الغمام فوق كرسيه فوق أرض المحشر ( والظلل من الغمام هاته تؤكد أن إسقاط ذات الله في مكان آخر يبقي لها نفس الصفات التي لها في مقامها الأعلى ) بلا شك أهل جنة الخلد من الحور والخزنة وغيرهم سيظلون في نوره تماما كما هم الآن لأن ذلك من ميزات هذه الجنة. وميزاتها أبدية منذ خلقت. وطول يوم القيامة خمسون ألف سنة وطول اليوم في الجنة ألف سنة.

وجنة الخلد التي عرضها السماوات والأرض خلقها الله بعد خلق الدنيا وهو فوق عرشه الذي رفعه الكروبيون. أي لم يذكر أنه استوى إليها بل استوى على العرش مباشرة بعد خلق الدنيا وكان العرش لا يزال على الماء لامسا له. يعني كأن الله لم ولا ينزل إلى جنة الخلد ولا يستوي إليها. وهذه فقط ملاحظة. ربما ﻷن عالم اﻵخرة وهو على شكل هرمي " مقلوب " يوجد تماما تحت اﻹسقاط الرئيسي للذات اﻹلهية. فاﻵخرة في أسفل الهرم الذي قمته في أسفل جهنم وقاعدته في أعلى العماء الذي فيه الله سبحانه. وكل ما خارج هذا الهرم ربما ينزل إليه الله إن شاء في بعد خاص دون مغادرة مقامه اﻷعلى نهائيا. كذلك سينزل من عرشه إلى كرسيه يوم الحساب ﻷن هذا الكرسي هو أيضا خارج ذلك الهرم سواء الآن أم يومئذ والله أعلم.



   



تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة