٢٠ب٥- القلم والدواة واللوح:
في السنن من حديث جماعة من الصحابة أن رسول الله ﷺ قال « أول ما خلق الله القلم قال له اكتب قال وما أكتب ؟ قال اكتب ما هو كائن فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة ». لكن العرش كان على الماء لما كان القلم يكتب أي كانا موجودين قبله ( أنظر الحديث في الفقرة ٢٥ت١ ) بل العماء كما رأينا هو أول شيء خلقه سبحانه ولم يكن إذ ذاك قلم. وفي حديث آخر « إن الله لم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء » (فقرة ٣٢ج١). وقد يكون المقصود هنا بأول ما خلق الله هو أن القلم سبق الدنيا والآخرة. لم تكن بعد سماوات ولا أرضون ولا ملائكة ولا أحد غير الله وعرشه على الماء. وخلق القلم خصوصا لأجل النشأة الأولى ومصير خلقها في النشأة الثانية. فكتب كل ما هو كائن إلى يوم القيامة من مخلوقات وأحداث وآجال ومقادير. وقيل قد يكون المقصود من " أول ما خلق الله القلم قال له أكتب " هو أن القلم بدأ الكتابة مباشرة بعد خلقه وخلق الدواة. أي ربما لم يمنحه الله أقدمية لأوليته قبل الكتابة بل أعطاها فقط للوح المحفوظ بعدها وهي خمسون ألف سنة ( لكن في الحقيقة خلقت أثناءها الحجب والله أعلم ). وفي حديث رواه ابن عساكر يتبين خلق الدواة بعد القلم قال رسول الله ﷺ « إن أول شيء خلقه الله القلم ثم خلق النون وهي الدواة ثم قال له اكتب، قال وما أكتب ؟ قال اكتب ما يكون أو ما هو كائن من عمل أو رزق أو أثر أو أجل فكتب ذلك إلى يوم القيامة ثم ختم على القلم فلم يتكلم إلى يوم القيامة، ثم خلق العقل وقال وعزتي لأكملنك فيمن أحببت ولأنقصنك ممن أبغضت ». وقال ابن جرير أخبرت أن ذلك القلم من نور طوله مائة عام. وفي حديث رواه ابن جرير قال ابن عباس « إن الله خلق النون وهي الدواة وخلق القلم فقال اكتب قال وما أكتب قال اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل معمول به بر أو فجور أو رزق مقسوم حلال أو حرام ثم الزم كل شيء من ذلك من شأنه دخوله في الدنيا ومقامه فيها كم وخروجه منها كيف ثم جعل على العباد حفظة وللكتاب خزانا. فالحفظة ينسخون كل يوم من الخزان عمل ذلك اليوم. فإذا فنى الرزق وانقطع الأثر وانقضى الأجل أتت الحفظة الخزنة يطلبون عمل ذلك اليوم فتقول لهم الخزنة ما نجد لصاحبكم عندنا شيئا فترجع الحفظة فيجدونهم قد ماتوا ».
أما عن اللوح ( فقرة ٢٥ت ) فقد روى ابن جرير أن ابن عباس قال: إن الله خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء دفتاه ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابه نور وعرضه ما بين السماء والأرض ينظر الله فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة يخلق في كل نظرة ويحيي ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء. وقيل أيضا عن ابن عباس أن كلام الله في اللوح المحفوظ معقود بالعرش وأصله في حجر ملك. وقال مقاتل اللوح المحفوظ عن يمين العرش. وفي الصحيحين قال النبي ﷺ« كان الله ولم يكن شيء قبله- وفي رواية غيره - وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السماوات والأرض ». وفي صحيح مسلم قال النبي ﷺ« إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء ». وهذا يعني أن رداء الكبرياء ( أو شيئا آخر لم يذكر في الرواية ) دار حول نفسه خمسين مرة كل مرة ألف سنة من أكبر سنواتنا نحن بعد انتهاء التقدير وقبل بداية خلق السماوات والأرض والله أعلم. فكان الله وحده في عماء وتحته على بعد عنه رداء كبريائه في دوران مستمر يفرق أنوار اليوم الأبدي فوق العرش وما حوله. والعرش مباشرة فوق الماء يعكس على الكرسي تحته جزءا من تلك الأنوار.
إرسال تعليق