١٤أ- باستثناء من جعلهم الله مخلدين بمشيئته في دار الآخرة تحت العرش ( جنة الخلد وجهنم ) الكل يموت. والله هو الحي الذي لا يموت. وبالنسبة للإنسان الموت هو موت نفسه الواعية مع بقاء روحه كما هي. وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله. ولا بد أن يمر بمرحلة الموت مرتين قبل الخلود لأن الله أراد له الخلود. والموتة الأولى قد تكون بدايتها مع خلق آدم. لما خلقه الله خلق من روحه أرواح بنيه كلهم لقوله تعالى﴿ الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ﴾(١-٤). ثم صورهم بجعلهم في قوالب ربما في جنة الخلد كما قد يتبين من الآية التالية:﴿ لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ﴾(٥٦-٤٤)( أنظر الفقرة ١٨ ). تلك هي الموتة الأولى. أما كونهم أخرجوا من ظهر آدم كالذر في الصغار على صور الناس في مقام آخر ( قيل يوم عرفة ) ليشهدوا أمامه على ربوبية الله ثم ردوا في صلبه فلا ينفي خلق أرواحهم قبل ذلك. ولا ينفي وجود أرواحهم الأصلية في مكان ما. أما عدم وجودهم تماما أي بلا أرواح ولا أي شيء فذلك لا بداية له في الزمن. فكنا فقط في علم الله ومشيئته الأزلية. لكن يبدو أن الموت ظاهرة مخلوقة. أما العدم فلا يخلق. فالله كما قال في القرآن خلق الموت والحياة ليبلو عباده. وهذه الظاهرة تفصل الروح عن نفسها الواعية ( وعن جسدها أيضا بالنسبة لمن في الأرض ) وليست عدما محضا. أما الموتة الثانية فتأتي بعد مرحلة الحياة الأولى. والفرق بين الموتتين كبير. فالأولى ليست فيها رحمة ولا عذاب وإنما هي مرحلة روحية صافية بين يدي الله بدون إحساس أو أي شعور. والنفس، وهي الجزء الواعي من الروح أو الجزء الذي يحمل وعي الإنسان، لم تخلق بعد أو على الأقل لم تتكون فيها بعد صفة الوعي التام. ولما أخرج الله من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم كل روح شهدت على وحدانية الرب عز وجل شهادة خالصة بدون شرك ولا إلحاد ولا تردد ولا نفاق. أما الموتة الثانية فهي إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار لأن في الحياة الأولى أخذت الروح صبغتها وكسبت النفس ما كسبت من حسنات وسيئات. ثم بعد ذلك لا بد لها أن تذوق سكرات الموت قبل رحيلها إلى عالم الأموات﴿ كل نفس ذائقة الموت ﴾(١٨٥-٣). ثم تدوم الموتة الثانية حتى يحين أجل البعث من جديد. بعد ذلك لا موت وإنما خلود أبدي إما في الجنة وإما في النار. قال تعالى عن الموتتين﴿ كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون ﴾(٢٨-٢) وبلسان أصحاب النار﴿ قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ﴾(١١-٤٠). ولا يذوق الإنسان الموت في الدنيا إلا مرة واحدة ( كتاب تصنيف وتفسير آيات وفصول القرآن العظيم - فصل الجنة ١١٧- ت٤٢ ). بعده ترد الروح مؤقتا إلى القبر قيل بين الجسد والأكفان وقيل أن منكر ونكير هما من يسلكانها في جسد الميت بإذن الله ( عن ابن عباس في خبر الإسراء ) فيصبح الإنسان واعيا دون تنفس. ثم يمتحن ثم يرى مصيره ثم ترفع روحه إلى الجنة أو تطرح في سجين.
إرسال تعليق