٤٤- الساعة (103/114)
٤٤س- ديوان الفائزين
في الصحيح من رواية قتادة قال أبو سعيد الخدري إن رسول الله ﷺ قال» يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض من مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة « قال تعالى ﴿ونزعنا ما في صدورهم من غل ﴾(٤٧-١٥) وعن أبي أمامة قال :» لا يدخل الجنة مؤمن حتى ينزع الله ما في صدره من غل حتى ينزع مثل السبع الضاري « وسيقضي سبحانه بينهم حتى في التحية لقوله تعالى﴿ وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا ﴾(٨٦-٤).
وسيتم هذا القضاء اليسير جدا بين كل الفائزين الذين نجوا من الصراط فوق قنطرة بين الجنة والنار. وقد تكون هذه القنطرة هي القنطرة الأمامية بعد الصراط مباشرة كما رأينا وقبل جدار جهنم الأمامي ( أو ربما بين جهنم لما يتجاوزونها كليا والأرض التي سترفع بهم إلى الجنة ). وسيتم هذا الحكم قبل ذهابهم إلى الرحمان وفدا. فلا يجوز أن يذهب مثلا أحد من المقربين إلى أقصى الأمام وله غل عند أحد من أصحاب اليمين أقل منه درجة. فلن يذهب المتقون إلى الرحمان بعد الصراط حتى يصلح بينهم ( كما جاء في الرواية: خذ بيد أخيك وادخلا الجنة ). وبعد أخذ كل الخلق مصافهم، الإنس والجن من كل الأنواع في الوسط والملائكة عن اليمين وعن الشمال، كل جزء من الإنس والجن مع ملائكة طبقتهم في الجنة، والمقربون في أقصى الأمام أبعد من غيرهم عن جهنم، والذين استوت حسناتهم وسيئاتهم هم الأقرب منها حينها، سيرفع كل خلق بالأرض التي هم فيها إلى مستوى الطبقة من الجنة التي سيدخلونها. وهذا الرفع يقابل الخسف بالكافرين إلى الأرضين السفلى المستوية وقتئذ مع طبقات جهنم. والخسف بهؤلاء كما رأينا سيكون قبل ذهاب المؤمنين إلى الرحمان وفدا وقبل رفعهم طبعا.
أما تنظيم صفوف الناس حينئذ فسيكون كالتالي والله أعلم: عندما يخرج المؤمنون من أمة محمد ﷺ من الصراط سيتجهون إلى الحوض. ثم كل أمة تخرج من الصراط ستتجه إلى حوض نبيها وديوانها. وذلك يعني أن الأحواض مصفوفة من اليمين إلى الشمال. وبالتالي ستكون مختلف الأمم هي أيضا مصفوفة من اليمين إلى الشمال. ثم ينطلق المؤمنون إلى الرحمان وفدا. المقربون هم الأوائل ثم الذين يلونهم. المسلمون في خطهم واليهود المؤمنون في خطهم والنصارى المؤمنون في خطهم ... الخ. والملائكة الذين لهم نفس النور عن يمين الكل وعن شمالهم. وهذا يعني أن أمم الرسل لن تكون بالكامل بعضها وراء بعض كما في الدواوين التي قبل الصراط بل سيكون كل المقربين وهم درجات بعضهم وراء بعض أو بجانب بعض على حسب أنوارهم ومختلف الأمم مصفوفة كما قلت من اليمين إلى الشمال. ولا يسبق إلى الأمام إلا من له نور أعظم. وثلثا كل مجموعة ( وهما ثمانون صفا ستتشكل كما سنرى ) سيكونان من أمة محمد ﷺ وهما اﻷوائل دخولا الجنة وسيتقدمان أكثر من الأمم الأخرى التي ستشكل الثلث الباقي. ثم يرفع في آن واحد إلى أبواب الجنة كل الذين سيدخلون نفس الطبقة منها.
والفردوس الأعلى هو أكبر الطبقات طولا وعرضا وعلوا. وكل طبقة أكبر من التي تحتها في جميع الاتجاهات. لذلك وجب قبل دخول الخلق إلى الجنة أن يأخذوا مصافهم بهذا الشكل. وللجنة ثمان طبقات ( لأن لها عرض السماوات السبع والأرض ). لذلك نظريا وجب أيضا أن ترفع ثمان قطع أرضية بمن عليها لتستوي مع التي قرب أبواب جنة الخلد والتي فوقها القناديل تحت العرش التي يأوي إليها الآن وكل ليلة الشهداء وأرواح المؤمنين. لكن الذين استوت حسناتهم وسيئاتهم لن يرفعوا ليبلغوا الطبقة الأولى من الجنة. وعندما يأتي الأجل سيدخلون فقط إلى الفضاء الذي بين الجنة والنار ليكونوا فوق الأعراف هناك. وهذا هو الرفع الثاني لأصحاب اليمين كما قال تعالى عن الواقعة﴿ خافضة رافعة ﴾(٣-٥٦) ورأينا الرفع الأول قبل المرور على الصراط.
سيكون بعد الرفع الثاني سبع قطع أرضية بعضها فوق بعض وأقرب إلى مقام الله وهو في الأمام. أما الطبقة الأولى من الجنة فلن يرفع إليها أحد في ذلك الوقت لأن أهلها هم أولا أصحاب الأعراف ثم الذين سيخرجون من النار وكلهم سيظلون على مسافة منها حتى يأذن الله لهم بدخولها ( أما الكافرون بعد الخسف بهم فسيكونون قبل دخولهم النار موزعين على سبع قطع أرضية خلف جهنم أي أبعد عن الله من المؤمنين ). بعد ذلك سيتقدم كل واحد إلى الله فردا مرة أخرى إلى الأمام ليمد له في جسمه. فلا يجوز أن يدخل المقربون مثلا إلى الفردوس الأعلى بالطول الذي سيكون للكل في أرض المحشر. فسيمد لهم في أجسامهم لتتناسب مع ما هو موجود في تلك الطبقة العليا من الجنة وإلا لظهرت لهم كل حبة منها كجبل لصغر طولهم. وستمد بأمر الله وبالنور الذي سيمنحهم حسب إيمانهم وأعمالهم وبمقدار ما يدخلون به أدنى الطبقة الخاصة بهم. ثم يزداد طولهم أكثر برقيهم في داخلها. ثم بعد ذلك كل من نزل في الجنة نقص حجمه، وكل من ارتفع ازداد. وقد روى الحافظ أبو بكر البزار عن أبي هريرة عن النبي ﷺ في قول الله تعالى﴿ يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ﴾ قال» يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه ويمد له في جسمه ويبيض وجهه ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤة يتلألأ فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون اللهم آتنا بهذا، وبارك لنا في هذا فيأتيهم فيقول لهم أبشروا فإن لكل رجل منكم مثل هذا. وأما الكافر فيسود وجهه ويمد له في جسمه ويراه أصحابه فيقولون نعوذ بالله من هذا أو من شر هذا اللهم لا تأتنا به فيأتيهم فيقولون اللهم أخره فيقول أبعدكم الله فإن لكل رجل منكم مثل هذا « ولكل رجل منهم مثل ما أعطي أولهم يدل على أنهم حينها في نفس الدرجة وفي ديوان خاص بهم. بل بلا شك حتى ملائكة الدنيا سيتقدمون في صفوفهم إلى جهة الرحمان فردا فردا ليؤتوا ما كان ينقصهم من نور. فقد كانوا في الدنيا في جوف الكرسي وهو أضعف نورا من نور وسط العرش الذي ينزل على الجنة. قال سبحانه﴿ إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمان عبدا (٩٣-١٩) لقد أحصاهم وعدهم عدا (٩٤-١٩) وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ﴾ (٩٥-١٩) إلا أن الملائكة لا يحاسبون.
إرسال تعليق