٤٤- الساعة (52/114)
في حديث رواه مسلم عن النبي ﷺ « قال من نفس عن غريمه أو محا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة ». هذا كالحديث في الفقرة السابقة « من سره أن يظله الله يوم لا ظل إلا ظله فلييسر على معسر أو ليضع عنه » إلا أن ظل العرش هنا ليس للوقاية مباشرة من حر الشمس التي ستدنو من العباد وهم فوق أرض المحشر بل هو مكان كما رأينا بين جوانبه والآخرة ( وفيه ظل ثابت ). ثم حين دنو الشمس لم تكن السماوات قد انشقت بعد والعرش لا يزال بعيدا فوقهن في اﻷعلى. ولا يمكن أن يصبح تحت الشمس. وجاء في أحاديث عن الشهداء أنهم يأوون حاليا إلى قناديل معلقة في ظل العرش. ورأينا أن نور العرش وظله غير الظل الثابت يتعاقبان في النشأة اﻷولى على الفضاء الذي تحت جوانبه ومن تم إلى حلقة الكرسي والسماوات. أما يوم القيامة فلن تكون جوانب العرش مستنيرة أيضا ﻷن الستور ستكون قد غطتها تماما يوم الفناء. والفضاء الذي تحت العرش حول اﻵخرة هو أكبر من جهتي الأمام والخلف ﻷنها أطول ثلاث مرات من عرضها. أما الفضاء الذي عن يمينها والذي عن شمالها فلن يكونا مباشرة فوق أرض المحشر بل فوق رؤوس الكروبيين الذين كانوا حول العرش. فبعد نزولهم سيكونون عن يمين أرض المحشر المستطيلة وعن شمالها. وجهنم قبل نزولها ستكون محسهم يومئذ أي مستوى أدنى جهنم سيكون مباشرة فوق مستوى رؤوس هؤلاء الملائكة. لذا المقصود من ظل العرش يوم القيامة بالنسبة للناس هو الظل الثابت الذي سيكون من جهتي الأمام والخلف ( فقرة ٣٢ث١٢ ). أما الذي من جهة الأمام فلن يبلغه إﻻ الذي اجتاز الصراط ورفع إليه. ثم إنه بعيد جدا ( فوق القسم الرابع من الأرض المبدلة ) عن منطقة الحشر العام التي في القسم الثاني من أرض المحشر حيث تدنو الشمس. ومن هناك سيدخل المؤمنون الجنة بعد رفعهم إلى أبوابها. أما ظل العرش الذي من جهة الخلف فسيكون فوق الناس في الأعلى وهم في موقف الحشر العام أي سيكون فوق السماوات السبع التي سيطويها الله فقط بعد نزول الملائكة. ولا ندري هل ستكون فيه مقاعد أو أرائك مخصصة لمن شاء الله أن يجعله هناك تكريما له أو ليفرجه على مشاهد يوم الحساب. فقد تكون هناك مثلا المنابر من نور المذكورة في الحديث التي ستكون للمتحابين في الله والذين يغبطهم الشهداء والله أعلم.
والعرش إذن لن يكون مستنيرا طوال يوم القيامة باستثناء وسطه الذي فوق جنة الخلد. أما بعد دخول أهلها إليها فسيزيل الله الستور التي تحت رداء الكبرياء ﻷجل أن تنزل أوقات أنواره على حملة العرش ومن حوله.
إرسال تعليق