٣٥- مراحل خلق الأرض والشمس وكواكب المجموعة الشمسية (8/9)
٣٥خ- إرساء الجبال:
نشأت الجبال بقوة إلقاء الحمم إلى الأعلى بفعل دوران التفكك لكن لم تبدأ تظهر إلا بعد بداية تصلب سطح الأرض أي مع بداية اليوم الثالث. وكلما كانت سرعة هذا الدوران كبيرة كلما كان عدد البراكين كبيرا وقوتها كذلك. أما الكواكب التي ليست فيها جبال ظاهرة فوق السطح فربما لم يكن دوران التفكك فيها كافيا لذلك أو سطحها بعيد عن الحمم أكثر من اللازم والله أعلم. وقممها لم تتعد قشرة هذا النوع من الكواكب. أما بالنسبة لأرضنا فقال تعالى﴿ وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ﴾(١٠-٣١). ويتبين هنا أن الإلقاء كان في الأرض أي من باطنها إلى سطحها وليس إلى الأرض﴿ وجعل فيها رواسي من فوقها ﴾(١٠-٤١) أي أظهرها فوق السطح بقوة كبيرة. ومع مرور الزمن تصلبت كل الطبقات السطحية للأرض. وتصلب الجبال أرسى هذه الطبقات. ولولا ذلك لظلت تدور وتميد مستقلة عن الطبقات الباطنية. وكل طبقة قبل التصلب كانت تدور حول محور الأرض بسرعة أصغر من سرعة الطبقة التي تحتها. وهذه قاعدة عامة. فالكواكب البعيدة عن الشمس تدور حولها بسرعة أصغر من الكواكب القريبة منها. وهذه تدور بسرعة أصغر من دوران سطح تلك الشمس. وكلما ارتفعت قمم الجبال أو البراكين فوق طبقة من طبقات الأرض كلما كانت هذه الطبقة راسية مع التي تحتها عندما تتصلب. ففي الكواكب التي لم تبلغ قمم الجبال السطح ولم تمسك به فذلك السطح سيدور بسرعته مستقلا عن الطبقات التي تحته. لذلك أخبرنا القرآن بأن الله جعل رواسي من فوق الأرض لكيلا تميد بأهلها.
إن إرساء الجبال تم بزمن طويل بعد إلقائها في الأرض من باطنها إلى سطحها، أي بعد دحو الأرض وتكوين البحار. ورأينا أن الأرض انشقت بفعل الزلازل وتباعدت القارات عن بعضها البعض. فلما بردت البراكين تصلبت و" أوقفت " نسبيا بتجمدها هذا التباعد. وتم التصلب تدريجيا من الأعلى إلى الأسفل. ولا تزال طبقات الأرض تتصلب إلى يوم الفناء. قال تعالى﴿ والأرض بعد ذلك دحاها (٣٠-٧٩) أخرج منها ماءها ومرعاها (٣١-٧٩) والجبال أرساها (٣٢-٧٩) متاعا لكم ولأنعامكم ﴾ (٣٣-٧٩) ولم يرد الله أن تميد الأرض بنا وبأنعامنا كما كانت تميد بالدينصورات. والقشرة الأرضية تدور الآن بنفس السرعة التي تدور بها الطبقات التي تحتها مباشرة لأن الجبال الراسية كالأوتاد هي التي تدفعها. والجبال لها سرعة الطبقات الباطنية التي هي مستقرة فيها. وهي أكبر من سرعة الطبقات السطحية التي كانت تدور مستقلة قبل التصلب. ربما لذلك يقول تعالى﴿ وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء ﴾(٨٨-٢٧). فنحن نحسبها جامدة ولكنها تتحرك وتدور حول محور الأرض بسرعة الطبقات الباطنية التي هي ماسكة بها بفعل التصلب وتدفع معها الطبقات السطحية. وهي تمر مر السحاب أي كما يدور السحاب في جو الأرض. وهذا تشبيه عجيب ! أضف إلى ذلك أن قمم بعضها تحتك ببعض السحب.
وبعد إرساء الجبال خلق الله الحيوانات التي ستكون مع الإنسان، نوعا بعد آخر لتتكاثر ثم خلق الناس. فإخراج المياه والمرعى وإرساء الجبال متاع لنا ولأنعامنا. وهذا دليل قرآني على أن الأنعام خلقت بعد إرساء الجبال لكن لا تزال بعض البراكين متنفسا للحمم الأرضية. وعددها ينقص تدريجيا إلى حين قيام ساعة الفناء.
الزلازل والبراكين:
يقول علماء الزلازل باختصار أن القشرة الأرضية عبارة عن صفائح تكتونية أي تتحرك. وهذا صحيح إلى حد ما كما ذكر القرآن سريعا ودون تفصيل قطعا متجاورات في الأرض في سورة الرعد بعد أن ذكر مد الأرض وجعل الرواسي والأنهار. ويقولون أن سبب تحرك هذه الصفائح هو الحرارة الباطنية للحمم البركانية التي تخلق تيارا يدفع تلك الصفائح. وينتج عن ذلك براكين.
في النهاية أصبحت القشرة عبارة عن قطع متجاورات لتتمكن الحمم أن تخرج من بينها وإلا لذابت القشرة كلها منذ زمن ولأصبحت الأرض كتلة حامية كما كانت في الأول. وهذا طبعا من صنع الله ليتمكن الخلق من الإقامة على ظهر الأرض. أي القطع المتجاورات رحمة لنا. لو كانت قطعة واحدة لا تنشق لذابت لأنها فوق جمرة من السوائل النيرانية التي تتوسع.
وعندما تنشق الأرض أو يتوسع شق قديم أو ينقص من طرف قطعة أرضية يحدث زلزال. كيف ذلك؟ عندما يفترق جانب قطعة أرضية من القطع الأخرى، هذه القطعة المنشقة ستدور فورا بسرعتها التي كانت لها قبل إرساء الجبال وهي أصغر كما قلت من سرعة دوران الطبقة الباطنية التي تحتها. فماذا سيحدث ؟ القطعة الأرضية التي وراءها والتي لها سرعة أكبر، أي سرعة دوران الطبقة الباطنية التي تحتها وماسكة بها، ستضربها من ورائها. وهذه الأخيرة ستضرب التي أمامها أو سيدخل جانب منها تحتها على حسب موقعها وحجمها. ثم تعود بسرعة إلى الوراء رغما عنها ثم إلى الأمام. ثم إلى الوراء وهكذا مرارا وتكرارا فذلك هو مورها. ومسافة المور تعتمد على عرض الشق. كلما كان صغيرا كلما كانت دبدبة الزلزال صغيرة أيضا وهي الرجفة. وكلما كان كبيرا كلما كان المور كبيرا أيضا ويحس الإنسان بأن الأرض تحت قدميه تميد به بسرعة. كأنها تجري تحت قدميه وترجع. وهذه الضربات لا تدوم طويلا. فالقطع الأرضية ستلتصق فيما بينها لأن دوران القشرة كلها يهيمن على الجميع.
ومنطقيا يجب أن تكون هذه الحركات أو معظمها في الاتجاه الذي تدور فيه الأرض حول نفسها لأن الحركة الرئيسية تتولد من هذا الدوران. أما إذا كانت في اتجاه آخر فستكون حادثة غير عادية. ولا ننسى أن دوران الطبقات الأرضية ليس دائريا تماما وإنما حلزونيا بعض الشيء. أي بعض الحمم يكون قريبا من السطح بينما في نفس الوقت البعض الآخر يكون بعيدا شيئا ما مما يجعل البراكين تنشأ مرة هنا ومرة هناك بينما أخرى تخمد. قال تعالى في سورة الأنبياء ( أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون ) (٤٤-٢١) وقال تعالى أيضا في سورة الملك ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور ) (١٦-٦٧). نرى هنا العلاقة بين الخسف ومور الأرض. والخسف لا يكون إلا بانشقاق الأرض التي ستبتلع الناس وما شاء الله.
إرسال تعليق