إن الله يخلق من عدم كما يخلق من أشياء خلقها من قبل. ويخلق بيديه أو بكلامه أو بوحيه أو بكل ذلك. وكل شيء خلقه في نوره أو جزء من نوره. وخلق السماوات والأرض وعناصرهما من كتلة رتقية خلقها في نور الكرسي. وخلق الإنسان من طين والجان من مارج من نار ...الخ.
العدم والمادة ونور الله:
نعلم حاليا أن المادة تتكون من ذرات ونويات وإلكترونات متباعدة فيما بينها بالنسبة لحجمها. فهي فراغ تتحرك فيه بعض تلك الجسيمات. والعلم الحديث اكتشف أنها متماسكة بينها بقوى عظيمة. ويشهد على ذلك القنابل الذرية والنووية. والرتق الأول هو الذي فتقت منه وخلقت تلك العناصر. وهذه القوى من فعل الله إذ لا حول ولا قوة إلا به. فهو الذي يمسك الإلكترونات حول نفسها وحول النواة ويمسك السماوات والأرض أن تزولا بأن جعل كل ذلك يدور بميزان وقوى خاضعة له سبحانه حول مراكز رتقية تجذب كل شيء في محيطها. وذلك لم يضعفه ولم يرهقه. لم يعي بخلق السماوات والأرض ولا بخلق أي شيء. وقال سبحانه عن نفسه ﴿ليس كمثله شيء﴾(١١-٤٢) وهو الصمد إذ الأشياء ليست إلا جسيمات رتقية ( أو غير رتقية إن تعلق الأمر بأجسام الملائكة ) يتماسك بعضها بعضا في " فراغ هائل " مليء بالنور الذي ينبثق من الله سبحانه ( أنظر الفقرة ٣٣ عن نور الله ). فالله نور السماوات والأرض ونور الذرة وجزئياتها. والنور الذي في المادة الدنيوية ليس كالذي في المادة العلوية. فالأول جزء من نور الكرسي وهو أضعف بكثير من الثاني الذي هو من نور العرش. وكلاهما من نور الله. فالإلكترون الدنيوي يسبح في جزء من نور الكرسي حول البروتون. بل هذا النور مع تزايده المستمر ربما قد يكون له دور ما في إمساكه بأمر الله حول النواة بميزان تام. والكرسي يحفظ المادة الدنيوية من نور العرش المباشر. لذلك انهار الجبل أمام موسى عليه السلام وأصبح دكا لما تجلى الله له واقتحم نوره جزئيات ذراته لأن نور الله المباشر دون حجب هو النور الأعظم، أعظم من نور العرش ونور الكرسي اللذين من أجزائه. وسنرى أن للكرسي ليلا ونهارا ( وهما نوره المرئي وظله ) يدوم كل منهما خمسمائة سنة ليكون مجموع اليوم ألف سنة. والنور يأتيه من العرش ( فكل ما في النشأة الأولى الفانية خاضع لظاهرة الليل والنهار بخلاف النشأة الثانية ). وبالتالي المادة الدنيوية يتعاقب عليها نور الكرسي وظله. وبالنور الذي فيهما تنتفخ السماء بسرعة متزايدة. وكذلك الذرة حيث فيها سماء على قدر حجمها.
إرسال تعليق