تطبيق قواعد النسخ
(4/9)
٩- في موضوع القصاص
قال تعالى﴿ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ﴾ (١٧٨-٢) قيل قوله﴿ والأنثى بالأنثى ﴾ منسوخ بقوله ﴿ وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ﴾(٤٥-٥) وقيل أن المسلمين ملزمون بتطبيق النفس بالنفس تبعا لما جاء في قوله تعالى في آخر الآية ﴿ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ﴾(٤٥-٥)
تفسير: إن الآية الثانية نزلت على بني إسرائيل. ولا يمكن للقديم أن ينسخ الجديد إلا بأمر واضح يبين النسخ ويؤكده. فالقصاص الذي أمر به الله في القرآن أمر جديد ونزل بصيغة أبدية كالصيام والقتال. أما الذي في التوراة فأمر قديم. والآية إخبارية عما شرع الله في الماضي في شريعة أخرى وليس فيها أمرا إلى المسلمين كقوله تعالى في موضوع آخر﴿ وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ... ﴾(١٤٦-٦). فالمسلمون ليسوا ملزمين بهذا التحريم لأنه لا يخصهم. فعلى اليهود أن يحكموا بما أنزل الله إليهم. وعلى المسلمين أن يحكموا بما أنزل الله إليهم وهو القرآن والسنة اللذان نسخا ما نزل قبلهما. أما القصاص القرآني في القتلى بما فيه جواز الدية فهو تخفيف من الله ورحمة للمسلمين التابعين للنبي الخاتم محمد ﷺ دون غيرهم لأن النفس بالنفس مهما كان نوع القاتل والمقتول أشد. قال تعالى﴿ ذلك تخفيف من ربكم ورحمة ﴾ (١٧٨-٢). وبالتالي:
الحر يقتل بالحر والعبد يقتل بالعبد والأنثى تقتل بالأنثى. والمعنى هو أن هذا النوع من القصاص هو الذي سيحاسب عليه المسلمون يوم القيامة إن فرطوا في تطبيقه اللهم إن عفا ولي المقتول أو قبل الدية. وهذا لا يعني أن الحر لا يقتل إلا بالحر والعبد لا يقتل إلا بالعبد ... فالآية لم تنزل ب " لا " نافية بل بالشكل الذي تبين به الحد الأدنى في القصاص بينما بنو إسرائيل سيحاسبون على النفس بالنفس. وذلك أشد. فإن قتل رجل امرأة ( أو العكس ) في ظل شريعة الإسلام ولم يقتل بها لن يؤاخذ الله المسلمين على ذلك يوم الحساب. ولن يؤاخذهم أيضا إن قتل بها لأنهم لم يخرجوا من إطار القصاص العام. لكن إن قتل رجل حر رجلا آخر حرا ولم يقتل به كان الحساب عسيرا يوم القيامة اللهم إن عفا ولي المقتول أو قبل الدية. أما في شريعة بني إسرائيل إن قتل رجل (أو امرأة) نفسا كيفما كانت ولم يقتل بها حوسب أشد حساب على ذلك وعوقب هو ومن كانت بيده سلطة الحكم اللهم إن عفا ولي المقتول وتصدق بالقصاص.
إن القصاص القرآني إذن لا يمنع المسلمين عن أن يشددوا على أنفسهم إن شاؤوا ويطبقوا النفس بالنفس في جميع الحالات ولكن يلزمهم بما هو أدنى في القصاص وهو قوله تعالى﴿ الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ﴾ مع جواز الدية وعفو ولي المقتول.
أما اليهودي الذي قتل بامرأة بحكم النبي ﷺ فبلا شك طبق عليه حكم كتابه وهو التوراة. إضافة إلى أن القصاص القرآني كما سبق ذكره لا يمنع النفس بالنفس.
إذن القضاء الإسلامي مجبر شرعا بالحكم بالقتل إن كان القاتل والمقتول من نفس النوع اللهم إن عفا ولي المقتول وقبل الدية. أما إذا كانا من نوعين مختلفين فللقاضي الحرية بالحكم بالدية والسجن أو حتى النفس بالنفس تبعا لظروف أحوال البلد.
وأضاف رسول الله ﷺ « لا يقتل مسلم بكافر »( البخاري ) وهنا لا نافية. أي لا قصاص بالقتل في هذه الحالة وإنما فقط الدية أو غيرها. أما الكافر فيقتل به لفضل المسلم عليه. أما إذا كان معاهدا فيجوز القصاص بالقتل لشروط المعاهدة كما جاء في حديث بن سلمان أن النبي ﷺ قتل مسلما بكافر معاهد وقال « أنا أحق من وفى بعهده »
أما حديث رسول الله ﷺ " المسلمون تتكافأ دماؤهم " فيعني أمام حكم الله: الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى. أي تطبيقه على جميع المسلمين كيفما كانت حالتهم الاجتماعية.
أما النفس بالنفس في الصحيحين عن ابن مسعود عن رسول الله « لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة » فتعني فقط أنه لا يجوز قتل الإنسان إلا في إطار القصاص ( وهو مفصل في القرآن ). ثم ذكر الحديث الإطارات الأخرى دون تفصيل كما لا يجوز على الإطلاق قتل كل من ترك دينه: أنظر فصل الله يخاطب المؤمنين٣٣ - ٣٦ح
إرسال تعليق