U3F1ZWV6ZTUwNDI4NTQwODIxODEzX0ZyZWUzMTgxNDY4NDE0OTg0Nw==

مقدمة الكتاب-04

   

مقدمة الكتاب

(4/6)

٥- المحكم والمتشابه: تصنيف من باب التأويل

كل آيات القرآن محكمة. فهو كتاب محكم وكذا كل مواضيعه. لا مجال للتلاعب في مضمونها. يقول تعالى ﴿ كتاب أحكمت آياته ﴾(١-١١)﴿ ثم يحكم الله آياته﴾(٥٢-٢٢) وإذا جمعنا كل الآيات عن موضوع معين كما هو الشأن في كتاب التصنيف هذا فسوف نتحقق من أنها لا تتعارض بل تشترك في تفسير وتفصيل الموضوع. وإذا زاغ قارئ القرآن أو مفسره عن الصواب فذلك ناتج عن جهله أو سوء فهمه أو عدم معرفته لعلوم القرآن كالتفصيل والتصريف والناسخ والمنسوخ ... الخ أو عن عدم إحاطته بقواعد اللغة العربية وأساليبها ومصطلحاتها. لكن من باب التأويل يشير القرآن أن منه آيات محكمات وأخر متشابهات. قال تعالى ﴿ هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب (٧-٣) ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا... (٨-٣)﴾.

والمحكم هو ما كان واضح المعنى وله تأويل واضح. أما المتشابه ففيه اشتباه على بعض الناس أو أحيانا عليهم كلهم. وبهذا التعريف يمكن أن نقسمهما إلى أربعة أنواع:

١- آيات محكمات للكل. هن أم الكتاب. لا التباس فيهن على أحد. ولا بد للرجوع إليهن لتجنب الضلال. أي بدون معرفتهن لا يمكن للإنسان أن يستقيم كما أراده الله أن يستقيم، سواء في مجال الإيمان أم في مجالي الفكر والعمل.

٢- آيات متشابهات على البعض في أي زمان. ولا بد للإنسان أن يكون عالما متفقها في الدين لكي يدرك تفاسيرها. والجهلاء والكفار يخوضون في هذا النوع من الآيات ابتغاء الفتنة كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت قرأ رسول الله ﴿ هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات (...)﴾ إلى قوله تعالى﴿ أولوا الألباب ﴾ فقال « إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فاحذروهم » فالذين في قلوبهم زيغ يتبعون المتشابه ويتركون المحكم. والمتشابه هنا قد يكون آية تفصيلية أو جزئية في موضوع ما. ويؤولها الجاهل حسب هواه دون أن يأخذ بالحكم العام عن قصد أو غير قصد. فمن الناس من يفعل ذلك ليخلق الفتنة فيهم أو لتضليلهم. ومنهم من يريد أن يتميز برأيه عن أهل العلم دون علم أو برهان.

٣- آيات متشابهات على الكل في زمان معين. وهي خصوصا التي تذكر الكون وما فيه. وبتطور العلم فقط نصل أو نقترب من التفسير الدقيق لهذا النوع من الآيات. وما يعلم تأويلها في أي زمان معين إلا الله. وربما يمكن أن نطبق قوله تعالى على هذه الحقيقة ﴿ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم ﴾(٥٣-٤١). وبعض الناس يحاول تأويلها دون علم كاف فيضل عن الصواب. وبعضهم يؤولها فقط لتضليل الناس.

٤- آيات متشابهات على الكل في كل زمان. وهي خصوصا التي تتكلم عن ذات الله وصفاته. فلا يعلمها على حقيقتها إلا هو. ومن الناس أيضا من يتجرأ على تأويلها إما ابتغاء الفتنة وإما فقط لمجرد التأويل.

وهكذا يتبين أن المتشابه درجات كما أن التفسير أيضا درجات كما روى ابن جرير عن ابن عباس قال» التفسير على أربعة أوجه، وجه تعرفه العرب من كلامها وتفسير لا يعذر أحد بجهالته وتفسير يعلمه العلماء وتفسير لا يعلمه أحد إلا الله ».  ويدخل في العلماء هنا علماء الدين على الخصوص ثم بعض علماء العلوم الدنيوية واللغوية.

قال تعالى عن المتشابه بصفة عامة ﴿ وما يعلم تأويله إلا الله ﴾(٧-٣) ويجب الوقف هنا حتما. فلو كان الراسخون في العلم يعلمون تأويله لاكتفى سبحانه بالقول " وما يعلم تأويله إلا الراسخون في العلم " لأن الله في جميع الحالات يعلم تأويل كلامه. ثم إن هؤلاء يقولون آمنا به، أي بالمتشابه، كل من عند ربنا سواء المحكم الواضح الدلالة أم المتشابه الذي يلتبس علينا أمره في زماننا هذا أو في كل زمان. فيخبرون الناس بأنهم يؤمنون به دون تأويل واضح وإلا لكانت الآية على هذا الشكل والله أعلم "والراسخون في العلم يؤمنون به". فهم لا يؤولون للناس إلا ما كان واضحا في الفترة الزمنية التي هم فيها. وتبقى دائما آيات متشابهات لا يعلم تأويلها إلا الله. فهم يدعون الله في هذا الصدد ﴿ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ﴾ أي لا تجعلنا نزيغ عن الطريق المستقيم ونتبع ما لا يجوز لنا ونترك ما يجب علينا.

وبتصنيف المحكم والمتشابه نقول أن المحكم مطلق واضح للكل. أما المتشابه فهو نوعان: متشابه نسبي ومتشابه مطلق. أما المتشابه النسبي فهو أيضا نوعان: نوع يعلمه العلماء، ونوع يتعلمونه مع مرور الزمن. أما المتشابه المطلق فلا يعلمه إلا الله. وقد يكون هو أيضا نوعان: نوع سيعلمه أهل الجنة بعد يوم الحساب. ونوع لن يعلمه أحد إلى الأبد. فلا يحيط الخلق بشيء من علم الله إلا بما شاء. ولا يحيطون به علما أبدا سواء في الدنيا أم في الآخرة.

<  توضيح:

قال تعالى ﴿ كتاب أحكمت آياته ﴾(١-١١) أي أتقنت. وأحكمت كل آية إما بمعانيها الخاصة وألفاظها البليغة أو بمعاني آيات أخرى تقيدها أو تفصلها أو تفسرها. ومن تم لا يمكن لقارئ القرآن أن يلتبس عليه الأمر في آية ما. والآية متشابهة لا لأنها ليست محكمة من حيث الألفاظ والتركيب بل متشابهة على الجاهل الذي يجهل علوم القرآن وتأويله، أو متشابهة على الكل فيما يخص بعض الآيات التي لا تخلق صورة واضحة في ذهن القارئ وإن كان من العلماء.


     



  

 


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة