٢١- الخلق في السماوات والأرض (32/46)
ومنطقيا إذا كانت ظاهرة الأشباه موجودة فالناس لا يمكن لهم أبدا مشاهدة الأرضين الأخرى للتأكد من هذه الحقائق المذهلة. مسافات هائلة تفصل كل أرض عن التي تليها. وتقدر بحوالي خمسمائة سنة. أي يقطعها الملك الذي له أقل سرعة في ذلك الزمن إن لم يستعمل المعراج المسرع ( وتساوي ملايير متعددة من السنين الضوئية بمقاييسنا نحن ). فقد خلق الله عالما بينيا بين كل أرض وأرض، غلظه كغلظ كل أرض، ربما ليمنع منعا كليا أن يرى الخلق الذي في أرض ما شبهه الذي في الأرض التي تليها كما رفع السماء الأولى عن الأرض الأولى بحيث لن يراها أحد من الإنس أبدا في حياته الأرضية. وبنفس المنطق نقول بأن الأرض السابعة رفعت عن المركز العظيم لنفس السبب. لذلك لا يمكن لنا رؤيته. بل حتى العالم البيني الذي فوقنا والعالم البيني الذي تحتنا لا يمكن للناس رؤية ما فيهما. فخلقت مجرات عديدة فوق مجرتنا وأخرى تحتها ليكون موقعنا بينهن. أي إن المجرات الحدودية خالية من الإنس. ولو افترضنا أن أهل الأرض الأولى تمكنوا من رؤية سقف السماء الأولى، وهذا مستحيل، فأشباههم في الأرضين السفلى سيرونه أيضا من خلالهم وفي نفس الوقت سيرون الأرض التي فوقهم مباشرة. أي كلهم سيرون كل الأرضين والسماء الأولى في نفس الوقت وفي نفس البعد. وسيكون في ذلك تناقضا قد يحدث فتنة واضطرابا في عقول الناس. فظاهرة الأشباه قد لا يصدقها العقل البشري مع أن المؤمن يعلم بأن الله على كل شيء قدير. قال تعالى في هذا الموضوع﴿ الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ﴾(١٢-٦٥). ومن الإحاطة العجيبة أن أية حركة يقوم بها أي خلق في أرض ما تقوم بها أشباهه في نفس الوقت بأمر الله. فيتبين هنا قدرته الخارقة وإحاطته العلمية الشاملة بكل شيء. فهو يعلم كل ما سيقع ويأمر بتكراره فورا وقت حدوثه في مختلف الأرضين. وذلك من العلوم الإلهية التي يختص بها سبحانه وتعالى. ولسنا مطالبين بالإيمان بهذا الأمر لأنه يفوق عقولنا. ولضعفها ما أوتينا من العلم إلا قليلا. ربما لذلك قال ابن عباس عن ظاهرة الأشباه هذه « لو حدثتكم بها لكفرتم، وكفركم تكذيبكم بها ». وما علمنا في علم الله إلا كقطرة من ماء البحور كلها. فلا نعلم من الواقع إلا ظواهر قليلة جدا. فالله خلق الوجود بعلوم كثيرة وهو أعلم بما يحدث في كونه العجيب. وعلينا أن نتفكر في كل شيء خلقه. وأن نعلم أنه سخر لنا ما في الأرض جميعا بما فيه مستوياتها السبعة ( أي الأرضون السبع ). أما السماوات السبع وسجين فلأرواحنا بعد موتنا. وظاهرة الأشباه قد تكون فعلا حقيقية إذا تأملنا في النقط التالية:
- أولا وجود الأرضين السبع مذكور في القرآن وبوضوح أكثر في الحديث.
- غلظ كل أرض كغلظ كل سماء خمسمائة سنة. فهي فضاء كبير فيه عدد هائل من المجرات. وتميزت عن السماوات السقوف بأنها ليست صلبة ولا تعكس نور الكرسي مثلهن.
- خلقت الأرضون السبع للإنسان. فكون الظالمين يخسف بهم إليها كما جاء في الحديث يدل على ذلك. وسيتم الخسف بأبدانهم يوم القيامة بعد مرورهم من الديوان العسير كما سنرى وسيحسون به. ومن كانت نفسه في حياته الدنيا في أرض سفلى ومات فيها خسف به إليها يومئذ وهي ممدودة.
- الأرضون السبع ليست مأوى لأرواح الكفار بعد موتهم بل سجين الذي تحت الأرض السابعة. وقيل في رواية الحاكم أن إبليس في الأرض السابعة مما يدل على أن هذه الأرضين خلقت للأحياء لأنه حي هناك. وبالتالي نحن معنيون أيضا بها. فلا يمكن أن تكون إلا لأجل نفوسنا دون أن نشعر بهذا الأمر والله أعلم.
- وروايات عن ابن عباس هي التي أخبرتنا بوضوح بوجود أمثال أي أشباه في كل أرض.
إرسال تعليق