١٥- عالم الدنيا وعالم الآخرة، النشأتان الأولى والثانية (3/3)
١٥ث- الذين في جنة الخلد:
خلق كثير خلقه الله مباشرة في جنة الخلد كخزنتها وحورها وغلمانها وما شاء سبحانه من حيواناتها. والتساؤل هنا هو هل يخلقهم الله في نفس الوقت الذي يخلق فيه في الأرض من سيكون معهم أم فقط يوم إيمان هؤلاء أم خلقوا بمدة معينة قبلهم أم يوم خلق الجنة. الحديث التالي وغيره كثير قد يوحي بأن الله ربما لا يزال يخلق في تلك الجنة جزاء على كل إيمان أو فعل طيب جديد حدث في الأرض. قال رسول الله ﷺ: « من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة »( متفق عليه ) مع العلم أنه سبحانه رغم علمه بكل خلقه وأعمالهم قبل وجودهم قد يتعامل معهم بمستجداتهم في الواقع الحي. أو ربما مثل هذا الحديث قد يكون فقط لتحريض الناس على فعل الخيرات بينما أجورها قد خلقت مسبقا والله أعلم.
وعدد الذين خلقوا في الجنة سيكون أكثر من الذين سيدخلونها من الجن والإنس ( أما ملائكة الدنيا فسيكونون أكثر أهلها لأن عدد الجن والإنس لا شيء بالنسبة لعددهم. وسيكون هؤلاء الملائكة كما سنرى في مدرجات الجنة دون تنعم أي كما كانوا في الدنيا ). كل فائز ستكون له زوجات متعددة وغلمان يخدمونه. كل هؤلاء من وعد الله للمؤمنين. خلقهم الله مخلدين لا يموتون أبدا. قال تعالى﴿ ويطوف عليهم ولدان مخلدون ﴾(١٩-٧٦) أي أعمارهم لا تتغير. ولا موت لمن دخل جنة الخلد. فكيف يموت من خلق منها وفيها ؟ في الحديث تقول الحور« نحن الخالدات لا نموت أبدا والناعمات لا نبأس أبدا...»الخ ( أي لا نموت الآن ولا يوم يموت كل الخلق خارج الجنة. أما بعد الحساب فلا أحد سيموت ). إن الحور ينتظرن أزواجهن وقد أخبرن بأمرهم. فهن في شوق مستمر إليهم.
وخلق خلق جنة الخلد تحت نور وسط العرش الذي هو أقوى بكثير من نور جوانبه لأن فوق ذلك الوسط لا يوجد إلا رداء الكبرياء والله سبحانه. أما فوق جوانبه فتوجد الحجب والستور قبل ذلك. لذلك الذين هم الآن في تلك الجنة أقوى من الذين في الدنيا ويرون الله مرتين في اليوم ربما باستثناء من في أدنى الجنة كما سنرى. ولا ينامون. وهم فيها كما سيكون المؤمنون بعد الحساب. وإن أدنى لؤلؤة تحملها حوراء الجنة لتضيء ما بين المشرق والمغرب كما جاء في حديث رواه الإمام أحمد. أدنى هنا قد تعني أصغر وأخفض. أي لؤلؤة أدنى الجنة أي لها أضعف نور في الجنة مقارنة مع لؤلؤ الطبقات العليا. « ولو أن شعرة من شعر الحوراء وقعت في الأرض لأضاءت الشمس معها سوادا في نور » حديث غريب رواه ابن أبي حاتم. فهذا يبين أن هؤلاء الخلق أقوياء ويوجدون في نور عظيم. ولو رفع أي مخلوق من العالم الدنيوي إلى جنة الخلد دون أن يبدل الله بنيته ويقويها لاحترق أو لأصبح دكا. وسنرى أن في جنة الخلد درجات: الذين في أسفلها لا يستطيعون الصعود إلى الأعلى لأن نورهم لا يمكنهم من ذلك لكن الذين في الأعلى يستطيعون النزول. أي حتى الذين في جنة الخلد لهم بنيات مختلفة مع اختلاف درجاتهم فيها. فكيف بالذين هم في الأسفل في الدنيا وفي نشأتهم الأولى ؟
إن النشأة الثانية هي التي بها سيقوى الخلق. وسنرى أن حتى ذراتهم سيتغير شكلها. فالموت إذن ضروري وإلا ظل المخلوق الدنيوي في بنية ضعيفة لا يستطيع بها الإقامة في العالم العلوي. سيستطيع مؤمنو الجن والإنس أن يقيموا في جنة الخلد. وكذلك ملائكة السماوات السبع بعد تقسيم النور على الخلائق ( فملائكة الدنيا سيبعثهم الله. وبما أنهم الآن في السماوات الدنيوية فلا بد أن يكونوا في مكان ما بعد حساب الجن والإنس. ولا مكان يومئذ إلا جنة الخلد وجهنم ). أما الكروبيون فسيكونون حافين من حول العرش أكثر قوة هم أيضا لأنهم سيكونون تحت رداء الكبرياء مباشرة دون الحجب الحالية الفانية.
إرسال تعليق