١٦- ذو القرنين
(2/4)
فَاتبَعَ سَبَبًا (٨٥-١٨) سببا من الأسباب المرسومة عنده أي طريقا معلما فخرج بجنوده مستعينا بذلك إلى أن وصل مغرب الشمس من الأرض اليابسة. أي الأرض التي تلي البحر المحيط من جهة الغروب.
يبدو أنه كان في أول زمانه ملكا مستقرا في مملكته. ولما آتاه الله من كل شيء سببا أي علما بالطرق المؤدية إلى مراد الله بدأ يتبع كل سبب بدا له. كان يوحى إليه أن عليه اتباع طريق ما. وكان لا يزيغ عن الطريق المؤدية إلى مراد الله لأنه كان يتحرك بوحي الله كل لحظة. ويعلم أن مراد الله في نهاية كل سبب أو طريق. لكن لم يكن يعلم ما هو هذا المراد حتى يكتشفه بنفسه لقوله تعالى مثلا ( حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ... ) فالإيجاد يعني هنا أنه اكتشفها تغرب في عين حمئة ... أما الله فكان عالما بما لديه خبرا أي بخفايا الأشياء التي آتاه منها أسبابها. فالله كان عليما بخبر كل الأقوام التي سيقصدها ذو القرنين.
وكان ذا القرنين لا يعلم حتى مدى المسافة التي سيقطعها ولا الزمن المخصص لها. وكان عندما يصل إلى الغاية التي أرادها الله يتصل به الوحي لقوله تعالى عند مغرب الشمس ( إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا )
اكتشف ذو القرنين عينا حمئة قرب المحيط:
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا (٨٦-١٨)
مغرب الشمس: وهو هنا الأرض التي بعدها تغرب الشمس في البحر. فلما وصلها رأى الشمس تغرب في عين حمئة. وهي بلا شك عين كبيرة فيها مياه ساخنة وبخار. فرأى الشمس تغرب والبخار يصعد في جو السماء أمامها. ولما وصل إلى مكان البخار وجد أن مصدره عين ساخنة ووجد عندها قوما يسكنون بجوارها أو حولها. وكانوا يعبدونها ويهابونها ويقدسونها لعظمتها. لذلك قال له تعالى مباشرة:
قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (٨٦-١٨) إما أن تعذب: أي تعذب الذي يصر على الشرك وعبادة العين الحمئة بالقتل أو غيره. وإما أن تتخذ فيهم حسنا: أي بالإرشاد إلى التوحيد والإسلام. فخيره الله بين الأمرين. فاختار الأمر الثاني بأن يدعوهم إلى الإسلام أولا ومن أبى سيعذبه في الدنيا قبل عذاب الله له في الآخرة.
قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكُرًا (٨٧-١٨) قال: أي قال ذو القرنين لهؤلاء القوم. من ظلم: أي من أصر على الشرك بالله والشرك ظلم عظيم. فسوف نعذبه: أي بعد دعوته إلى توحيد الله. نكرا: منكرا فظيعا. أي سنعذبه ثم بعد موته ينتقل إلى عذاب جهنم.
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءُ الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (٨٨-١٨) جزاء الحسنى: أي في الدنيا بعدم تعذيبه وفي الآخرة بنعيم الجنة. والإيمان والعمل الصالح هما الفعلة الحسنى. وسنقول له من أمرنا يسرا: فمن آمن سيقال له من أمر ذي القرنين يسرا فيما يخص تكاليف الدين ولن يؤاخذ على ما فعل قبل إيمانه. أو سنأمره بما يطيق ويسهل عليه.
إرسال تعليق